..”وداعا وإلى اللقاء” كلمات ختم بها الفنان الكبير زهير النوباني، خبر نعي وغياب الراحل الفنان يوسف يوسف.
ولفت النوباني في اشاراته الاولى المبكرة لصدمة موت رفيق الكاميرا والمسرح، الذي غيبه الموت عن 72 عاما، إلى أنه “ترك اثرا طيبا وجميلا في الحياة وفي قلوب الناس كان محبا دمثا خلوقا ومخلصا وعأشقا لعمله. وداعا والى اللقاء،انتقل إلى الدار الآخرة في الولايات المتحدة الأميركية الصديق الفنان يوسف يوسف الحجاوي رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه وأصدق التعازي لأسرته والأسرة الفنية ومحبيه”.
الراحل من اوائل النخب الفنية الأردنية من الأصول الفلسطينية التي عملت منذ خمسينيات القرن الماضي على وضع لبنات الفن الدرامي والمسرح في الاردن وفلسطين.
وهو اختار الغياب في أرض هجرته الثانية بعد شتات عربي قال عنه: “أحب الفن كثيراً وأفنيت الجزء الأكبر من حياتي في التمثيل، وتزخر ذاكرتي بمواقف وحكايات على مر المراحل المتفاوتة، لكنني عانيت طويلاً لأنني لستُ من حملة الرقم الوطني، وهذا تسبب في صعوبات أُسرية فأصبحتُ أمام مفرق طرق”.
يوسف يوسف من مواليد مدينة خانيونس من اللد في فلسطين المحتلة عام 1946، كان هو وشقيقه المخرج الراحل حسيب يوسف من الفنانين الكبار في ساحة الدراما والمسرح الغنائي والتمثيل التلفزيوني ومسرح الاطفال وبرامج الاطفال التربوية، ومنها برنامج المناهل.
..وكان الراحل من أبرز الفنانين ممن أسسوا الروابط الفنية الاردنية وصولا الى تكوين نقابة الفنانين الأردنيين، .
كانت بداياته الفنية من خلال فرقة الفنون الشعبية الأردنية، ثم شارك في مسرحية “برجاس” الغنائية كممثل، وظهر في ما يزيد عن 60 مسلسلا تنوعت قصصها وحكاياتها بين الوطنية والقومية والترفيه وبرامج الاطفال والكوميديا.
من اعماله المؤثرة: منها “حارة أبو عواد” و”الغريبة” و”شمس الأغوار” و”هبوب الريح” و”المناهل” و”طرفة بن العبد” ،والعلم نور و “الهاربة”، “لمن يغرد العندليب”، “رمال بين الأصابع” و”هبوب الريح”.
كما شارك في مسرحيات مهمة منها:”مقهى العقلاء”، “عريس لبنت السلطان”، “الخطوبة”، “اللعبة”، “عمارة العلالي”، “قحطان والبعير” و”همومنا الجميلة جداً”و “برجاس” و شكل ثنائيا فنيا مع الفنان ربيع شهاب وكون علاقات رائعة مع الاوساط الثقافية العربية من خلال اعمالة الاستعراضية التي انجزها عبر قيادة شقيقة المخرج حسيب يوسف.
قبل أشهر من الرحيل
على صفحته في الفيس بوك كتب ماهر عريف عن الراحل يوسف، مبينا أسباب هجرته الى الولايات المتحدة:
على مضض هاجر إلى أمريكا، حمل وأفراد أسرته حقائب السفر وكل الأمتعة الممكنة، أغلقَ باب شقته المُستأجرة، وصعد الطائرة ملوحاً بحب للبلد الذي احتضنه نحو نصف قرن، مودّعاً نفسه وذكرياته دون أن ينساها.
كان الفنان يوسف يوسف الذي ارتبط بذاكرة المُشاهد العربي من خلال مجموعة أعمال، اقترنت أغلبها ببدايات الدراما الأردنية، يحلم بشيء واحد فقط حتى يبقى حيث يُحب، ويتمنى: “الحصول على رقم وطني”.
قدّم شخصيات متبابنة بعدما انطلق من فرقة الفنون الشعبية الأردنية، بينها “حارة أبو عواد” و”الغريبة” و”شمس الأغوار” و”هبوب الريح” و”المناهل” و”طرفة بن العبد”، وكانت آخر إطلالاته في المسلسل البدوي “بيارق العربا” عام 2011، لم يكن راضياً تماماً عنها.
من يزور نادي نقابة الفنانين الأردنيين، كان يلمح يوسف يوسف أغلب الأحيان (ليس عضواً عاملاً) يجلس بعينين حزينتين، يحاول التغلب عليهما بابتسامة لا تخفي الألم، كان يخشى فقط على مستقبل أولاده.
تحدث كثيراً إلى مسؤولين، أحدهم وعده خيراً خلال أمسية رمضانية في مقر النقابة، وقتها لم يستطع يوسف مداراة دموعه.
خلال زيارة خاطفة وأخيرة إلى عمّان قادماً من “أوهايو” بعد حصوله على الجنسية الأميركية، تزامنت مع انتخابات نقابة الفنانين الأردنيين قبل نحو سبعة شهور، سألته في مقر المركز الثقافي الملكي هل تركت الفن؟
قال: “أحب الفن كثيراً وأفنيت الجزء الأكبر من حياتي في التمثيل، وتزخر ذاكرتي بمواقف وحكايات على مر المراحل المتفاوتة، لكنني عانيت طويلاً لأنني لستُ من حملة الرقم الوطني، وهذا تسبب في صعوبات أُسرية فأصبحتُ أمام مفرق طرق”.
أضاف في حواري الصحفي معه: “الأردن بلد عزيز على قلبي كثيراً، وكنت مستعداً للبقاء طوال حياتي والموت على أرضه، لكن تكالب الصعوبات جعل القرار يلوح أمامي عام 2001 خوفاً على مستقبل أبنائي، وجاء التنفيذ عام 2012”.
تابع: “يؤلمني القول أنني ضحّيت بالفن.. لكن من أجل مصلحة أولادي كان يجب التضحية”.
يشير يوسف يوسف إلى طرحه مشكلته أمام مسؤولين وتلقيه وعوداً لم تترجم واقعا،ً ويذكر أن معاناة زملاء عاصرهم في نهاية العمر، ومصيرهم المؤسف، جعله يخاف أكثر.
ورغم ابتعاده عن التمثيل كان ينتظر -بحسب قوله- ما يعيده لمواقع التصوير. يعلق: “مستعد للعودة وتصوير أعمال جديدة”.
لم يخفِ يوسف يوسف أن الأدوار التي كانت تُعرض عليه وأبناء جيله في السنوات الأخيرة لم تخرج عن إطار تقليدي. يقول: “كنا نحاول المفاضلة بين أحسن الأسوأ أحياناً ولا أنكر أنني قبلت بأعمال لم أرض عنها بعد تراجع الإنتاج، وكانت لقمة العيش تجبرني وغيري على ذلك”.
يتوقف في الحوار عندما سألته عن المسرح، يتنهد، ويقول: “فقدت نصفي الفني عقب إصابة الفنان ربيع شهاب بالشلل، ولم أقدّم مسرحاً كوميدياً حقيقياً بعده”.
يؤكد يوسف يوسف أنه كان حريصاً على متابعة الفن الأردني، وتحدث بتفاؤل شديد عن أسماء شابة وصفها بأنها “مُبشّرة”، ورأى أن المعضلة الرئيسية تكمن في أن المسؤول عن الفن لا يخدم المجال كما يجب، إما لعدم معرفته بأهمية دعم الدراما أو تجاهله ذلك.
يوسف يوسف يرحل اليوم في مهجره، عن عمر يناهز 72 عاماً، يلوّح للمرة الأخيرة لزملائه، والفن، والبلد الذي يُحب، ولازمه ألم عشقه مع المرض، دون شفاء.
الي ذلك نعى نقيب الفنانين الأردنيين السابق الفنان ساري الأسعد الفنان الراحل على صفحته الشخصية على “فيس بوك” وجاء فيها: “ببالغ الحزن والاسى انعى الزميل الفنان يوسف يوسف الذي انتقل الى الرفيق العلى تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته والهم ذويه ومحبه وزملائي الفنانين جميل الصبر والسلوان وإنا لله وانا الله راجعون”.