د. زياد محمود مقدادي – باحث وناقد أردنيّ
انجاز _ عبر المجموعة القصصية الموسومة بـ ((معارج البوح)) الصادرة عن دار تكوين بجدة يُقدّم القاصّ السعودي صالح بن أحمد السهيمي رؤيته الخاصة تجاه العديد من القضايا الإنسانية التي يراها مسائلَ ذاتَ أهمية في الحياة، ولعلّ من الضروري الوقوف هنيهةً على إهداء هذه المجموعة القصصية الذي جاء مُقتضَبًا ومحمّلاً بعديد من الدلالات والإشارات التي تكشفُ ما تراه هذه القراءة لزاوية من زوايا هذه المجموعة القصصية، إذ وردَ في صفحة الإهداء:
“إلى الإشارات الجميلة في الحياة..
أهديها معارج البوح.”
ثلاثة مفاتيح لا يقلّ أحدها أهمية عن الأخرى في عبارة الإهداء هذه:
– الإشارات الجميلة في الحياة.
– الفعل (أهدي) والفاعل المستتر (العائد على القاص).
– معارج البوح.
تتكامل هذه التراكيب لتفضي بالقارئ/ المُتلقّي إلى محاولة فهم مقصود القاص الذي يسعى للكشف عن جوانب عديدة يراها شيئا جميلاً في الوقت الذي يخالف فيه آخرون هذه الرؤية.
ومن المؤكّد أنّ بناء هذه الرؤية في المجموعة القصصية اعتمدَ إلى جانبِ رؤية القاصّ على التشكيل الفنّي الذي يتناسب وفنّ القصّة القصيرة جدًا الذي اختاره شكلاً إبداعيًا لعمله.
وبالعودةِ إلى الإهداء يتضح أنّه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعنوان المجموعة القصصية ((معارج البوح)) الذي يكشف تكثيفًا فنيًا في التعبير عن حاجة القاصّ فجعله عتبةً يدخل من خلالها إلى أجزاء المجموعة التي تعكس الرؤية الذاتية للقاص المبنية على رؤيته التي أرى أنّها تتكئ على مقولة “الأدب فنٌّ موجّه لتحسين العالم”؛ ما يكشف أهمية القراءة في معرفة رؤى الأديب تجاه الحياة.
فالمجموعة القصصية – هنا – تكشف للمتلقي رؤية القاص تجاه عدد من القضايا الإنسانية، وكأنّه يريد من القارئ أن يصغي لما سيوجّهه له من معارفَ تجاه تلك القضايا.
وبالانتقال إلى النصوص القصصية تتأكّدُ رؤيةُ القاصّ القائمة على تصحيح رؤية الآخرين ويمكن الوقوف على قصّة سجود (معارج البوح – صفحة 40) التي تكشف جانبًا من هذا.
وبالنظر في موقع العُنوان نجدُ أنّه جاء تاليًا للقصة لا مبتدأ لها، وهو نسق انتظمَه القاصّ في قصص المجموعةِ كلّها، وهو ما أثار الدكتور يوسف العارف فوصفه مظهرًا من مظاهر الجمال الأسلوبي حيث قال: “وإذا وصلنا إلى عناوين القصص (البوحيَّة) داخل كل فصل لوجدنا الجمال الأسلوبي، والحداثة الإبداعية، والرؤى المتجددة من خلال سك العناوين المثيرة وإخراجها عن مساقها المتعارف عليه كلافتة قبلية”. (يوسف العارف – مجلة فرقد الإبداعية 2023م).
تبدأ قصة سجود بكشف مكان أحداثها التي تدور في مكتبة عامة، وهي مكان يُتاح لعامّة الناس دخوله والإفادة من المعارف التي يقدمها، ما يوحي أنّ رؤية القاص تُقابل رؤية عامّة لا خاصة، أما مشكلة القصّة فتتمثل برؤية مضادة تجاه قراءة الأدب القديم؛ أي إنّ ثمةَ تيارين أحدهما يستنكر قراءة الأدب العربيّ القديم والآخر يدعو لقراءته والاستمتاع بفنيته العالية، ويتبنّى القاصّ هذا الرأي.
ولم يكتفِ القاصّ بالتأكيد على اهتمامه بقراءة الأدب العربي القديم، وإنّما تجده حريصًا على إقناع الطرف الآخر بأهمية هذا الأدب، فتراه مشغولاً بإبراز قيمته، حيث قال:
• التفت إليه مستغربًا:
• ومن قال إنهم موتى!
تركه على مسافة يسيرة متقدما نحو ديوان الشافعي،
أشار بإصبعه على بيتين من الشعر!!
ولعل اختيار ديوان شعر الإمام الشافعي وتوظيفه في هذه القصة يقدّم دلالاتٍ عمد إليها القاص، فعلى الرغم من أثر الإمام الشافعي في العلوم الشرعية كالفقه وأصول الفقه والحديث فإنّ ذلك لم يمنعه نظم الشعر والعناية به، ما يبرر للقاص نظرته الإيجابية تجاه الأدب العربي القديم، وهذا ما دعاه لاختيار هذا الديوان ليُطلِعَ عليه صديقه الذي استنكر قراءة هذا الأدب.
وباختزال فنّي لجأ إليه القاص معتمدًا على “فن القصة القصيرة جدًا” يكشف لنا استجابة الصديق واقتناعه برؤيته في الحثّ على قراءة الأدب القديم، فبرز عنصر المفاجأة بقوله:
توضأ صديقه بالشعر .. خر ساجدًا.
بعد أن اطلع الصديق على شعر الشافعي كنموذج للأدب القديم أكبَرَه وقدّر قيمتَه الفنية فسجد سجود إعجاب وتقدير لا سجود عبادة، ما يعني أنّه اقتنع برؤية القاص تجاه هذا الفن الراقي، وتحوّل في رأيه من رفض لقراءة الأدب العربي القديم إلى قبول واقتناع وإعجاب.
وبذا يتأكّد أنّ الرغبة بقراءة الأدب القديم مسألة اختلافية بين راغب به لقيمته الفنية والفكرية ومعرض عنه؛ ما جعل القاص يبرز رأيه الذي يدعو لقراءة الأدب العربي القديم ليعكس من خلاله موقفه النقدي.
ومن هنا يمكن القول: إنّ القاص صالح بن أحمد السهيمي استطاع أن ينقل في هذه المجموعة القصصية رؤاه الخاصة تجاه عدد من القضايا الإنسانية، مُعتمدًا على مقاطع سرديّة مكثفة الدلالات.