الاستثناء الأردني
نزار بدران
أظهرت احتجاجات المواطنين الأردنيين، وكذلك رد السلطة على هذا الحراك، مدى كون الأردن شعبا ونظاما، ذا طبيعة إستثنائية هذه الأيام عن الوضع العربي العام، فبينما تقمع أي مظاهر للاحتجاج بالعنف المفرط والذي لا يعرف حدودا، نرى الاحتجاجات الأردنية تتميز بأعلى مظاهر التحضر من طرف المواطن ومن طرف السلطة..
أثبت المواطن الأردني بكل انتماءاته وأماكن تواجده نضجه السياسي من خلال الشعارات المرفوعة والتي تضع السلطة أمام مسؤولياتها، وتمكن عبر وحدة كل مكوناته والتي لم تترك مجالا للفرقة من الوصول إلى الهدف المنشود بسحب قانون الضرائب..
الحقيقة أنه لا يوجد فارق كبير بين مطالب الأردنيين أو إخوتهم السوريين أو المصريين، الفرق هو في نوعية الرد على هذه المطالب، كل الشعوب العربية عندما خرجت للتظاهر طالبت بحقوقها الأساسية، ورفضت أن تبقى خارج القرار الإقتصادي والسياسي لدولها، في موقف واضح منها ضد الفساد المستشري بأجهزة الدولة والمسؤولين عنها..
صاحب القرار الأردني استطاع بذكاء وحكمة، أن يستعمل هذا الحراك لتقوية موقفه التفاوضي مع الأطراف الخارجية، وخصوصا دول الخليج التي كانت تعمل لعزل الأردن، وفرض مشروع ترامب عليه وتخليه عن حقه بالوصاية على الأماكن المقدسة في القدس..
تناغم الشارع الأردني مع رد السلطة الناعم، مع الاستمرار في المراقبة والحذر مما قد تصل إليه الإصلاحات المطلوبة، هو نوع من الاستثناء الحقيقي بالتعامل السياسي الرسمي العربي مع الشعوب، بدل المحاولات الدائمة والمستميتة لإبعاد الشارع عن أي مفاوضات، وأي احتجاجات تقمع دائما بالعنف، حتى ولو كانت تؤدي إلى تقوية الطرف العربي المفاوض، من خلال نظرية أن إظهار السلطة قوتها على شعبها أمام الطرف المفاوض الآخر ( أمريكا مثلا أو إسرائيل) هو دليل سـيطرتها الـتامة وأهلـيتها لتـوقيع الاتفاقيات، بما قد تحـتوي من تنـازلات وفرضـها على شـعبها..
هذا الفهم المتخلف لحراك الناس، هو أحد أسباب ضعف المفاوض العربي أمام الأطراف الغربية أو إسرائيل، وتراجعه المستمر والعيش في ظل مفاوضات عبثية تدوم عشرات السنين..
حراك الشعب الأردني وإن كان هدفه الأول هو المشاكل الأردنية الداخلية الاقتصادية وعدالة توزيع الحمل على الجميع، إلا أن أهم نتائجه برأيي هو حماية الأردن من مؤامرات الأطراف الخارجية، والتي كانت تحاول جره إلى مربع التنازل وتغيير التحالفات لصالح المشروع الصهيوني.
أصبح لدى صاحب القرار الأردني ظهير شعبي يحتمي به، وقد يستعمله لتقوية الموقف وحماية الوطن، وما إجتماع مكة وقبول الكويت والسعودية والإمارات وقطر دفع بعض الدعم رغم تواضـعه، إلا إنعـكاس لوضع الأردن الداخلـي..
الاستثناء الأردني وخصوصا بشقة السلطوي، قد يستمر ويصبح نموذجا يحتذى به لاحتجاجات ممكنة بدول عربية أخرى، الا أن العودة عنه وإنهاء هذا الاستثناء ليس شيئا مستحيلا، خصوصا أمام الضغوط الهائلة التي تمارس على صاحب القرار الأردني، للحاق بمشروع صفقة القرن. لا نأمل ذلك بل نحن على يقين أن وعي المواطنين ووحدتهم، وصلابة السلطة المرتكزة على هذا الشعب القوي كفيل بابقاء الاستثناء الأردني قائما ومقيما في الواقع..
كاتب ومراقب سياسي أردني مقيم في باريس