م. وائل سامي السماعين
في شهر اكتوبر من عام 2009 ,كان هناك لجة اعلامية , حيث اصدر معالي الدكتور خالد طوقان, رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية عدة تصريحات للأعلام, حول وجود كميات تجارية كبيرة من اليورانيوم في الاردن, حيث توقع أن يبلغ حجم الانتاج من اليورانيوم في موقع مناجم الوسط بسواقة حوالي 2000 طن سنويا ,بقيمة سوقية تبلغ حوالي 1.250 مليار دولار سنويا ، واشار في حينها الى ان الاحتياطي المقدر أوليا في المنطقة تبلغ حوالي 65 ألف طن، متوقعا أن يبلغ حجم الكميات المصدرة منها 2000 طن سنويا. وتوقع معاليه حينئذ, أن يشهد خام اليورانيوم قفزات سعرية خلال الاعوام 2014-2016 ,هذا حسب ما تناقلته وسائل الاعلام . ثم توالت التصريحات الصحفية حول تأكيد وجود 40 الف طن احتياطي من الكعكة الصفراء Yellow Cake ,وهو يورانيوم مركز, والذي يستخدم لأعداد وقود للمفاعلات النووية ,وانه متوفر بكميات تجارية كبيرة في الاردن .
قبل سنة من تعيين الدكتور خالد طوقان رئيساً لمفوضي هيئة الطاقة الذرية الاردنية في عام 2008 ,بداء الارتفاع الحاد غير المسبوق في سعر الباوند من اليورانيوم, حيث وصل ذروته في عام 2007 الى ما يقارب 139دولار للباوند ,ثم بداء بالهبوط التدريجي حتى وصل الى ادنى سعر في هذه الايام 20 دولار للباوند. لا نعلم على ماذا كان يستند معالي الدكتور طوقان في توقعاته عام 2009 , حينما ذكر بانه يتوقع قفزات في سعر اليورانيوم في الاعوام 2014-2016, بينما اسعار المعادن المعلن عنها ومن ضمنها اليورانيوم , كانت تشير الى ان السعر الذي وصل اليه اليورانيوم في عام 2007 كان عبارة عن فقاعة , ولا يعكس واقع السوق وكان لها اسبابها ,حيث اشارت بعض التقارير الى الفيضانات الكارثية التي وقعت في عام 2006 في منجم اليورانيوم الواقع في بحيرة السيجار في كندا , والتي كانت وراء اشتعال أسعار اليورانيوم, وفي الفترة التي توقع معاليه قفزات هائلة في سعر اليورانيوم في الاعوام 2014-2016 كانت اسعاره العالمية تهبط تدريجيا وبشكل متسارع حتى يومنا هذا.
كانت نتيجة توقعات رئيس هيئة مفوضية الطاقة الذرية الاردنية لأسعار اليورانيوم في عام 2009, وعدم التراجع عنها, بالرغم من ان معطيات السوق ومؤشرات اسعار اليورانيوم كانت تدل دائما على تدني الاسعار, هي بمثابة طمأنة للرأي العام حول الجدوى الاقتصادية لمشروع الطاقة النووية ,التي كانت مبنية على اساس مغاير تماما للواقع, والنتيجة الثانية هي انه تم المضي قدما في مشروع المفاعل النووي الكبير لتوليد الطاقة الكهربائية, واما النتيجة الثالثة هي انفضاض الشراكات وهروب شركات التعدين, وحدوث خلافات معها ومنها الية عملها في التنقيب عن المعدن الثمين وذلك بعد ان بدأت عملها , والتي من المفترض انه تم مراجعة واعتماد تلك الطرق من قبل خبراء الهيئة ,حسب المعايير والاسس العالمية في هذا المجال قبل احالة العطاء, ولكن فوجئنا قبل أسابيع بتصريح الدكتور طوقان بان وراء الخلاف والتحكيم مع احدى شركات التعدين هو بدائية الية التنقيب التي اتبعت من طرفها ,وبالرغم من ان الجهة الاردنية ربحت القضية , الا ان القضية تثير تساؤلات عديدة ,ومنها وجود خلل فني في مراجعة واعتماد الوثائق الهندسية التعاقدية من قبل المختصين في هيئة الطاقة الذرية الاردنية . والنتيجة الرابعة الحتمية, كانت الغاء بناء المفاعل النووي الكبير بعد مضي عشر سنوات من انطلاق فكرته ,بسبب التكلفة العالية ,وعدم قدرتنا على تمويله من مبيعات الكعكة الصفراء الحلم الاردني الذي تبدد, بسبب تدني اسعار اليورانيوم الى الحضيض.
لم يعرف السبب حتى الان , لماذا امتنعت هيئة الطاقة الذرية الاردنية عن الادلاء بأية تصاريح للرأي العام ,طيلة العشر سنوات الماضية حول هبوط اسعار اليورانيوم, الى ان وصلت الى ادنى مستوى له قبل عدة اشهر , وبالرغم من ذلك , كان هناك اصرار على استمرار المشروع بدون مبررات اقتصادية, حيث كان من الاهمية في ظل هذه الظروف , اطلاع الرأي العام على هذه التطورات البالغة الاهمية اول بأول, والتفكير ببدائل ذات جدوى اقتصادية في حينها ,ولكن هيئة الطاقة الذرية ارتأت غير ذلك , حيث تم مباغتة الرأي العام قبل عدة اشهر حول النية في استبدال المفاعل الكبير بوحدات صغيرة الحجم لأسباب اقتصادية.
استعاضة هيئة الطاقة الذرية عن المفاعل النووي الكبير , بفكرة جديدة وهي مفاعلات نووية صغيرة الحجم(SMRs) لتوليد الطاقة الكهربائية, تثير القلق من جديد حول امكانياتنا لتحقيق الحلم الاردني, والخوف كل الخوف ان تضيع عشر سنوات اخرى, ونصرف عشرات الملايين من الدنانير من الاموال العامة ,ثم نعود ونبرر للناس فشلنا . فالمفاعلات النووية صغيرة الحجم ,لها جوانب سلبية وايضا ايجابية, كما تشير الابحاث مقارنة مع المفاعلات كبيرة الحجم , فصحيح ان تكلفة الانشاء وفترات البناء اقل بكثير , مقارنة مع المفاعلات الكبيرة الحجم ,ولكن الابحاث تشير ايضا الى ان تكلفة الوقود اعلى بكثير من مثيلتها كبيرة الحجم .
نريد بقوة ان ينجح مشروع الطاقة النووي الاردني لتوليد الكهرباء , ولكن لا نريد مستقبلا ان ندفع ثمنا باهظا لحلم اردني, قد يتبدد مرة اخرى.