في وقت تجرم فيه قوانين الانتخاب شراء الاصوات «المال السياسي» فضلاً عن تحريمه دينياً وفق فتوى صادرة عن دائرة الافتاء، بالتوازي مع رفض مجتمعي قاطع لها، لا تزال هذه السلوكيات تتكرر مع كل استحقاق إنتخابي لمختلف المجالس المنتخبة.
ولا يخفى على احد ان تكرار عملية شراء الاصوات مقابل المال بدت تطفو على السطح وبشكل ينبئ بطغيانها على المجريات الانتخابية حتى غدت ظاهرة سلبية لا يمكن السكوت عليه ولا إغفالها.
جوانب سياسية وإقتصادية وتشريعية واجتماعية وقيمية تتطلبها مكافحة الظاهرة والحد منها تحتاج الى رؤى وخطط تختص بهذه الجوانب وصولا الى التضييق على هذه الظاهرة وصولاً للقضاء عليها.
مكافحة ظاهرة المال السياسي تتطلب جهودا شاملة وتكاملية في الادوار بدءاً من المواطن (الناخب والمترشح) بالتشارك مع مختلف الجهات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية.
عمليات شراء اصوات منظمة تتم بسرية تامة في الغرف المغلقة لتجنب اثبات واقعة جريمة المال السياسي التي تجرمها القوانين والديانات والاعراف ، ولكنها لا تزال مستمرة ومتزايدة.
تساؤلات كثيرة واستفهامات كبيرة حول استمرار وتزايد ظاهرة المال السياسي مع كل عملية انتخاب، وسبل الحد منها ،برغم كل هذا الرفض والمكافحة لها دينياً وقانونياً ومجتمعياً ،
وكانت دائرة الإفتاء العام، أصدرت فتوى جديدة عن حكم شراء الأصوات في الانتخابات وحرّمت الدائرة، على المرشح للانتخابات تقديم الاموال والرشاوى لشراء الأصوات، كما أنه يحرم على الناخب التأثر بأعطيات وهبات.
وأفردت قوانين الانتخاب المختلفة كقانون الانتخاب وقانون البلديات وقانون مجالس المحافظات مواد ونصوص قانونية تجرم شراء الاصوات بايقاع عقوبات رادعة منها الحبس والغرامات المالية.
استاذ القانون الدستوري في جامعة البتراء والناشط الحقوقي الدكتور علي الدباس يرى ان ظاهرة المال السياسي او المال القذر القائمة على التأثير بارادة الناخب مقابل المال لا يقتصر وجودها على الاردن فقط فهي منتشرة في معظم دول العالم.
ويقول «ان قوانين الانتخاب في المملكة حاولت من خلال موادها القانونية الحد من ظاهرة المال السياسي من خلال تشديد العقاب ومنح الهيئة المستقلة وضع التعليمات الخاصة بالدعاية الانتخابية ،غير انها في الوقت ذاته لم تساهم وبشكل كبير في الحد من هذه الظاهرة.
ويؤكد الدكتور الدباس ان الحد من الظاهرة لن يكون بحل سحري وسريع، إذ لا بد للدولة الاردنية ان تنتهج سياسات مختلفة سياسية واقتصادية وتشريعية واجتماعية وقيمية وصولا للحد من هذه الظاهرة.
ويوضح الدباس انه وفي الجانب التشريعي لا بد من تشديد العقاب وتطوير وسائل اثبات واقعة شراء الاصوات كحجز الهوية الشخصية مؤشراً على ارتكاب الجريمة، فضلا عن قوانين تعفي الناخب من العقوبة في حال عدولة عن قبول الرشوة أو في حال تبليغه عن الواقعة.
ولفت الدكتور الدباس الى اهمية إيجاد عقوبات سياسية بالاضافة الى الجنائية والمتمثلة بحرمان الشخص يثبت تورطه في جريمة شراء الاصوات من الترشح ،أو اسقاط عضويتة في حال فوزه.
وفي هذا السياق يلفت الى ان الاصل ان لا يمنح القانون المرشح صفة النائب أذا حرك دعوى ضده خلال ترشحه او بعد انتخابه ،حيث يجب اسقاط عضويته ،مشيرا الى اهمية عدم تقادم جرائم الانتخابات، اذ لا بد من ان يحرم الفائز تطبيقا لهذه الجرائم بمجرد اثبات شرائه الاصوات.
ويذهب الدكتور الدباس الى اهمية تطوير وتنظيم الرقابة على مصروفات الدعاية الانتخابية وان تكون الادارة الانتخابية صارمة في تطبيق هذه الاحكام ، فتحديد مبالغ الدعاية الانتخابية يسهل التحايل على هذه التشريعات، مشددا على ضرورة ايجاد رقابة خارجية من جميع الجهات المختصة على مصروفات المرشحين.
وفيما يتعلق بالبعد السياسي لمكافحة ظاهرة المال السياسي، يشير الدكتور الدباس الى انها لن تنجح الا باعادة الهيبة الى السلطة التشريعية بما يمكنها من ممارسة سلطاتها الدستورية بشكل حقيقي وفاعل.
وفي هذا يلفت الدباس الى ان المواطن او الناخب اذا لم يشعر بقيمة المجلس المنتخب وان له دور سياسي وتشريعي يصبح من السهل التفريط بصوته ،وعلى العكس اذا كان له دور مؤثر سياسيا وتشريعيا لن يبع الناخب صوته لانه سنعكس ايجابا على اموره الحياتية المختلفة ،من خلال الشعور بدور حقيقي للمجلس المنتخب.
وفيما يتعلق باعادة ثقة وهيبة المجالس البرلمانية لدى المواطن يرى الدكتور الدباس ضرورة اعادة التوازن بين السلطتين وان تكون المؤسسة التشريعية مستقلة عن السلطة التنفيذية وقادرة على القيام بالادوار المنوطة بها باستقلالية وتوسيع صلاحياته باقتراح القوانين وتطوير انظمتها الداخلية.
ويشير في هذا السياق الى اهمية بناء وتطوير قدرات الاشخاص الذين يصلون للرلمان خصوصا في الخبرات البرلمانية ، وهذا دور ملقى على الامانة العامة للمجالس ولمؤسسات المجتمع المدني لتوعية وتثقيف المترشحين واكسابهم المهارات التي تلزمهم في عملهم.
كما وشدد الدكتور الدباس على ضرورة رفع قدرات مجالس الامانة العامة واكسابهم المهارات اللازمة ليكونوا مؤهلين وقادرين على مساعدة النواب المنتخبين.
وبما يختص بالبعد الاقتصادي لمكافحة ظاهرة المال السياسي يرى الدكتور الدباس انها قضية شائكة وعلى الدولة ان تفكر ملياً بكيفية تحسين المستوى المعيشي للمواطن حتى لا يضطر لبيع صوته نتيجة الفقر والعوز ، مشيراً الى ضرورة ايجاد خطط مستقبلية بهذا الخصوص.
البعد الاجتماعي والقيمي والاخلاقي له دور كبير في مكافحة ظاهرة المال السياسي وفق الدكتور الدباس الذي يشير الى اهمية ايمان الانسان بقيم الصدق والاخلاق والعدالة والامانة وبناء الواطن الصالح منذ النشأة الاولى وفي المدرسة والابتعاد عن مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
ويلفت الى أهمية الدور الملقى على المواطن ومؤسسات المجتمع المدني والمناهج الوطنية التي يجب ان تؤكد على تحريم وتجريم ظاهرة شراء الاصوات.
ووفق الدكتور الدباس هنالك بعد ديني يحارب افة المال السياسي في اشارة الى تحريم شراء الاصوات والفتوى التي اصدرتها دائرة الافتاء بهذا الخصوص.
الراي