المحامي عبد الكريم الكيلاني يكتب :
نشبت معركة الشريعة و القانون ، في اواخر التاسع عشر و اوائل القرن الحادي العشرين .
ومرد ذلك اول الأمر ، عودة نفر من خريجي الجامعات الغربية بالنظريات الفقهية و القانونية التي درسوها في جامعات الغرب ، وحرصهم على تطبيقها في دولهم ، باعتبارها ذروة ما وصل اليه العقل القانوني .
كما نشأ لدى طرف آخر ، اعتقاد بان هناك حملة لتغريب التشريع في الدول العربية و الإسلامية .
ونجم عن هذا الخلاف مصطلح القانون الوضعي مقابل الشريعة و الفقه الإسلامي .
واحتدمت المعركة سجالا بين الفريقين .
إلى ان قيض الله للامة ، فقهاء في المدرستين ، على رأسهم الفقية المصري عبدالرزاق السنهوري ، الذي جمع فأوعى وادرك بعد مناظرات وحوارات ودراسات ضرورة استدعاء الشريعة الإسلامية بالدراسات الجديدة،
استلهام مبادىء الفقه الإسلامي في التشريع و هو ( الامل المقدس ) على حد تعبير السنهوري ، الذي اعتبر ان الفقه ينهض بالتشريع و لا يعيبه ،
وكذلك عكف فقهاء آخرون كالاستاذ مصطفى الزرقاء ، على اعادة تبويب مسائل الفقه ، في ثوب جديد ، بكتابه المدخل الفقهي العام .
وازعم ان الدولة التي قطفت ثمرة ذلك كله في مرحلة مبكرة هي الاردن ، التي كان لها السبق التاريخي باقرار قانون مدني عكف على صياغته فقهاء الشريعة و القانون معا .
وعليه يمكن القول ، ان افتعال خصومة بين الشريعة و القانون ، ناجم عن الجهل بكليهما ،
فبعد اكثر من خمسة عقود على تطبيق القانون المدني الأردني ، كنموذج فريد احتذت به جامعة الدول العربية وعدد من الدول العربية والإسلامية،بحيث اصبحت الملائمة بين النظريات القانونية و الفقهية ،مصدر ثراء للتشريع ، ووعاءا من الاحكام و القواعد التي تعين القاضي و المحامي على ان يصل بين التشريع الحقوقي و الاحتياجات المعاصرة وبين الإرث الفقهي الزاخر بمبادئه و قواعده ومبانيه .
ومن ذلك كله فان توسد المشرع احكام الفقه الإسلامي أضاف للتشريع وزاد ثراءه ، وقد اثبت التطبيق القضائي ، ان احكام الفقه الإسلامي، توسع المدارك ، وتفتح الافاق ، بحيث يتاح للمشتغلين بهذا الشأن ان يختاروا من مبادىء الفقه الإسلامي بما لها من قيمة حقوقية تشريعية ، افضل ما يحقق مصالح الأفراد ، وإقامة العدل عنهم .
واما من أراد التمترس خلف الصراع الذي اكل الدهر وشرب ، ظنا منه ان تشريعا يمكن ان يسلخ الامة عن جذورها ،
فهو لم يع الدرس ، الذي وعاه آباء الفقه و القانون على السواء، فوصلوا إلى أنضج ثمرة تلائم العصر ، و لا تعارض قيم الامة و أخلاقها .
( ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او ألقى السمع وهو شهيد )