الأنباط – شذى حتاملة / مي الكردي
في ظل الثورة الرقمية والتطور التكنولوجي المتسارع الذي يشهده عصرنا الحالي، ومع الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، إنستغرام، ويوتيوب، بدأ عدد من المعلمين والمعلمات في الأردن باستخدام هذه المنصات كأدوات لنقل المحتوى التعليمي بطرق مبتكرة تواكب التحول الرقمي واهتمامات الجيل الجديد. فهل انتقل دور المعلم من القاعة الصفية إلى شاشة الهاتف الذكي؟ وهل يمكن اعتبار هذه المنصات أدوات تعليمية فعّالة تدعم العملية التعليمية؟ أم أنها تحوّلت إلى وسيلة تجارية ومصدر دخل إضافي بعيدًا عن هدفها التربوي الأساسي؟ التوسع الرقمي المُكلل بالعائد المالي الذي بات أداةً اقتصادية تتشكل تبعًا للهوية الوظيفية، دفع العديد من المعلمين إلى تقديم محتوى تعليمي رقمي يخدم البيئة الاقتصادية بتحسين جذب الاستثمارات الرقمية والعملات الأجنبية، حيثُ أصبحت هذه العوائد ترفًا للمعلمين تؤكد على تكاملية المهن الرقمية مع التقليدية دون إحلالها لتعزيز المنظومة التعليمية ودعمها بكافة أدوات التطور التكنولوجي الحديث. وفي حين يرى معنيون بقطاع التعليم ضرورة التحول نحو الرقمنة ومنصات التواصل الاجتماعي لمواكبة التطور العالمي، يرى آخرون استحالة أن تكون هذه المنصات بديلًا كاملاً للتعليم التقليدي. وأوضح الخبير التربوي الأستاذ محمود درويش أن التطور أصبح ضرورة لا غنى عنها، ومن لا يواكب هذا التطور مصيره الاندثار، مشيرًا إلى أن العالم يشهد تحولًا رقميًا متسارعًا، حيث أصبحت المنصات الرقمية مثل “تيك توك” وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي شديدة الانتشار، ما أتاح للمعلمين فرصًا واسعة للوصول إلى الطلبة بطريقة أسرع وأسهل. وبين درويش أن دور المعلم على هذه المنصات لا يقتصر على تقديم المحتوى التعليمي كاملًا، بل يكتفي بعرض جزء منه بطريقة جذابة، بهدف إثارة اهتمام الطلبة وتشجيعهم على حضور دروسهم أو التفاعل معها بشكل مباشر، فبفضل هذه المنصات، يمكن للطالب أن يصادف مقطع فيديو تعليمي أثناء تصفحه، ما يسهل عليه الوصول إلى المعلم والمعلومة في آنٍ واحد. وتابع أن هناك فئتين من المعلمين على هذه المنصات: فئة استغلت هذه الأدوات الرقمية لتحقيق أرباح مادية على غرار مشاهير السوشال ميديا، وفئة أخرى تستخدمها كوسيلة فعالة لتوصيل المعلومات وشرح المفاهيم التعليمية للطلاب بعضهم يدمجون الطابع الترفيهي مع الجاد لجذب عدد أكبر من المتابعين والطلبة. وختم درويش بالإشارة إلى أن التعليم عبر مقاطع الفيديو القصيرة على منصات التواصل لا يحقق الهدف التعليمي الكامل، وإنما يعد وسيلة ترويجية للمعلم ومصدرًا لتقديم لمحات من المحتوى والمفاهيم. فالمحتوى الطويل عادة ما يواجه عزوفًا من المتابعين الذين يفضلون المشاهدة السريعة، لكن في المقابل، يُسهم ذلك في زيادة شهرة المعلم وانتشاره. وأوضحت الأستاذة ضحى مصطفى أن فكرة إنشاء صفحتها الشخصية على منصة يوتيوب جاءت خلال فترة جائحة كورونا، حيث برزت الحاجة الملحة للتواصل مع الأهالي، خاصة في ظل غياب منصة إلكترونية مخصصة لرياض الأطفال، ومن هنا بدأت بنشر مقاطع فيديو تشرح فيها أساليبها في التدريس، بهدف أن يستفيد منها الأهالي والمعلمات الأخريات في التعرف على طريقتها في شرح المنهاج، مضيفة أنها وجدت لاحقًا تفاعلًا إيجابيًا ودعمًا من زميلاتها، اللواتي أبدين اهتمامًا بتجربتها التعليمية، مما شجعها على الاستمرار. وشددت الأستاذة ضحى على أن هدفها من إنشاء القناة لم يكن ماديًا أو بغرض الربح، بل اعتبرتها “صدقة جارية” تهدف من خلالها إلى نقل خبراتها التعليمية للمعلمين الآخرين، مستندة إلى تجربتها الشخصية في الميدان. كما بينت أن المنصات الرقمية لا تعد بديلًا عن الصفوف المدرسية التقليدية، بل تعتبر مكملة لها، حيث يمكن للطالب الذي تغيب عن صفه متابعة الدرس إلكترونيًا. ومع ذلك، ترى أن هذه المنصات لا يمكن أن تحل محل التفاعل الوجاهي، نظرًا لما تفتقر إليه من مهارات اجتماعية ضرورية لنمو الطفل وتطوره. بدوره، أكد أستاذ الإعلام الرقمي المشارك في جامعة الشرق الأوسط، الدكتور محمود الرجبي، أن منصات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك” لا يمكن أن تكون بديلًا كاملاً للتعليم التقليدي، بل تعد أدوات مساندة تسهم في توسيع دائرة التعلم وتعزيز فرص الوصول إلى المعرفة، من خلال ما يعرف بـ”التعلم المصغر” عبر مقاطع فيديو قصيرة (Microlearning)، مشيرًا إلى أن هذه المنصات، وفي ظل تطور تكنولوجيا التعليم، تجعل لـ”تيك توك” وغيرها من المنصات دورًا في تشويق الطلاب وجذبهم إلى مواد كانوا يرونها جافةً، ومع ذلك يبقى الحضور التفاعلي والعلاقة الإنسانية وحس النقاش في القاعة الصفية لا غنى عنه. وفي مقارنة بين الحصة الصفية والحصة المصورة، أوضح الرجبي أن الحصة التقليدية توفر تفاعلًا حيًا يسمح بمتابعة تقدم الطلبة والرد على استفساراتهم بشكل فوري، كما تعزز الجانب الإنساني والتحفيزي في التعليم، مضيفًا أما الفيديو المصور، فهو يختصر الزمن و تقدّم ميزة الإعادة والمراجعة وتناسب المحتوى البصري، لكنها تفتقر للتفاعل اللحظي، ولا تتيح مراقبة دقيقة لمستوى الاستيعاب، وقد يعوّض هذا جزئيًا بالتواصل الرقمي، إلا أن ذلك ليس متاحًا دومًا. وحول فاعلية المحتوى التعليمي على “تيك توك”، بين الرجبي أن نوعية المحتوى والنية من وراء صناعته هما ما يحددان قيمته، فبعض الحسابات تقدم محتوى تعليميًا قيمًا ومبتكرًا بأسلوب مشوق تتناسب مع اهتمامات الجيل الحالي، خاصة في مواد اللغات والمعلومات، ولكن في المقابل، هناك كم كبير من المحتوى الذي يقدم باسم التعليم وهو في حقيقته ترفيه، أو معتمد على تبسيط مخل يضيع المعنى والدقة، وفوق ذلك افتقاره إلى المحتوى المدقق، وذلك كله يعتمد على صانع المحتوى من جهة، والمتلقي من جهة أخرى. وأشار الرجبي إلى أن “تيك توك” وغيرها من المنصات بنيت على نظام الخوارزميات التي تفضل المحتوى الذي يحقق تفاعلًا أعلى، وغالبًا ما يكون المحتوى التجاري هو الأكثر قدرة على تحقيق ذلك، ولمن لا يعلم فإن تصنيف المحتويات في المنصات بشكل عام يعتمد على التفاعل وليس جودة المحتوى في المقام الأول وهذا الواقع قد يؤثر على مصداقية المحتوى التعليمي، لافتًا إلى أن بعض صناع المحتوى، مع تراجع نسب المشاهدة، يلجؤون إلى التهويل أو التضليل لرفع التفاعل، مما يؤدي إلى تراجع الثقة بالمحتوى المعرفي المقدم، داعيًا إلى ضرورة دعم المحتوى التعليمي الجاد، وتفعيل دور الخبراء، إلى جانب رفع وعي المتلقين وتمكينهم من التفكير النقدي، لضمان بيئة تعليمية رقمية أكثر مصداقية وفاعلية. وعلى الصعيد الاقتصادي، أفاد الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة، أن الإيرادات الإضافية للمعلمين تُسهم في زيادة القوة الشرائية للأفراد، ما يُحفز النشاط الاقتصادي عبر زيادة الطلب على السلع والخدمات المحلية، مُضيفًا أن ذلك يُساعد في خلق فرص عمل غير مباشرة من خلال الاستعانة بفريق دعم يشمل (مصممين، محررين، مسوقين) الأمر الذي يُنشئ وظائف جديدة مرتبطة بالاقتصاد الرقمي. وأشار إلى أن الاستخدام الرقمي في بث المحتوى التعليمي عبر منصات التواصل الاجتماعي يُعزز من فرص التعلم عن بُعد، خاصة في المناطق النائية، مما يُسهم في رفع الكفاءة التعليمية على المدى الطويل، مُبينًا إسهامه بجذب الاستثمارات ويشجع الشركات المحلية والدولية على الاستثمار في المنصات التعليمية، ويدعم البنية التحتية التكنولوجية في الأردن. ولفت مخامرة إلى عدم وجود إحصائيات رسمية محددة تُظهر مساهمة الإيرادات المحصلة عبر منصات التواصل الاجتماعي في الناتج المحلي، ذاكرًا بعض التقارير التي تُشير إلى النمو الملحوظ في القطاعات المرتبطة بالتكنولوجيا والتعليم الرقمي في الأردن، إذ زاد الاعتماد على المنصات التعليمية بنسبة كبيرة. وعلى سبيل المثال، تُشكل المنشآت الصغيرة والمتوسطة (بما فيها المشاريع الرقمية) حوالي 20%من الناتج المحلي في دول مشابهة، مع توقعات بزيادة هذه النسبة في الأردن مع دعم الحكومة للتحول الرقمي. ووجه مخامرة إلى مبادرة الحكومة الأردنية بإطلاق مبادرات مثل “الدليل الإرشادي لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي” لتعزيز الاستفادة من المنصات الرقمية، مما قد يسهم في رفع مساهمة هذا القطاع مستقبلًا. ووصف العلاقة بين المهن الرقمية والتقليدية بـ”التكامل بدلاً من الإحلال”، حيثُ أن التعليم عبر المنصات الاجتماعية لا يُغني عن المدارس، بل يُعزز فرص التعلم التكميلي وخاصة في الأزمات مثل جائحة كورونا. وتوقع مخامرة مع زيادة الاعتماد على التعليم الرقمي عالميًا يتوقع أن ترتفع أرباح المعلمين عبر المنصات الاجتماعية، خاصة مع تحسين جودة المحتوى واستخدام أدوات مثل الذكاء الاصطناعي، لافتًا إلى قدرة المعلمين الأردنيين على جذب طلاب عرب وأجانب عبر المحتوى المتميز، مما يعزز الصادرات الرقمية ويرفع من إيرادات العملات الأجنبية. ووجه إلى التحديات المترتبة على هذه التوسع الرقمي التعليمي الذي يشمل اشتداد المنافسة، وتقلبات سياسات المنصات “مثل تغيير خوارزميات تيك توك”، والحاجة إلى تحديث المهارات الرقمية باستمرار، مُشيرًا إلى أنه مع إطلاق الحكومة لاستراتيجيات دعم الاقتصاد الرقمي، مثل الترخيص الإلزامي للمحتوى الإعلاني، قد يصبح هذا القطاع أكثر تنظيمًا وربحية. وأوضح مخامرة في نهاية حديثه إلى أن الإيرادات من المحتوى التعليمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الأردن لا تعد عاملًا مساهمًا في تنويع الاقتصاد، ورغم عدم وجود بيانات دقيقة عن مساهمتها الحالية في الناتج المحلي، فإن المؤشرات تُظهر اتجاهًا تصاعديًا. وأكد أن هذه المهنة لا تُلغي المهن التقليدية بل تُثريها، وتفتح آفاقًا جديدة للشباب في ظل تحديات البطالة مستقبلًا، مُشيرًا بأنها قد تصبح مصدرًا رئيسيًا للدخل إذا تم دعمها بسياسات فعالة واستثمارات في البنية الرقمية والتعليمية. من الناحية القانونية، أكد الخبير القانوني الدكتور صخر الخصاونة، أن أي إيراد محصل يأتي للشخص يخضع لضريبة الدخل بما في ذلك الدعايات واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، موضحًا أن الإيرادات تخضع لـضريبة الدخل والمبيعات في حال كانت مؤسسة. وأشار إلى أن ضريبة الدخل التي تفرض على الشخص الواحد هي نفسها لمستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، حيثُ يخضع لـضريبة دخل يحصل من خلالها على إعفاءات لغاية 9000 دينار، وما فوق ذلك يُصبح “شريحة تصاعدية”. ولفت الخصاونة إلى أن العمل داخل مواقع التواصل الاجتماعي لا يخضع للضوابط أو للمعايير، مُشيرًا إلى أن ضريبة الدخل تمتلك الحق في متابعة الأشخاص والإيرادات المُحصلة من وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى صعيد عقود العمل فإن ذلك يعتمد على تضمين حق ممارسة العمل خارج أوقات الدوام أم لا، وفي حالة تعارض العمل فإن ذلك يعود على إذا كانت المدرسة حكومية أو خاصة.
لقراءة المزيد : https://alanbatnews.net/article/455558?fbclid=IwZXh0bgNhZW0CMTEAAR5yqR-0UIaDVcML4r2Lq8WtL47U07wYyWdt4ApYldMtRNjLaEWj3iMS9i0Png_aem_Rb-CnhWlBTrgnnoPZncC6g