بقلم: المستشار محمد صالح الملكاوي
في زمن أصبحت فيه “الكلمات” تتحوّل إلى “شرارات ورصاصات”، وتُشعل فيها “العبارات العابرة” في بعض وسائلالإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي “حرائق” في قلوب المجتمعات ووجدان البشر، تأتي مواقف وزارة الداخليةومديرية الأمن العام، ووِحدِة مكافحة الجرائم الالكترونية كصمّام أمان، ليس فقط لضبط الأمن والأمان، ولكن أيضاًلحماية ما هو أثمن من ذلك، وهو “السلام المجتمعي” في الأردن، “وطن السلام” في إقليم ساخنٍ ومُلتهب.
لهذا فإن زيارة وزير الداخلية الباشا مازن الفرّاية، برفقة مدير الأمن العام اللواء عبيدالله باشا المعايطة، إلى وِحدِةمكافحة الجرائم الإلكترونية لم تكم مجرد جولة تفقدية روتينية، بل كانت تصريحاته فيها بمثابة إعلان موقف صارممن قِبل “الفرّاية”، بأن الأردن لن يكون ساحة لِمن يزرعون الفتن وخِطاب الكراهية والتطرّف، أو يعبثون بمستقبلأجياله عبر شاشات افتراضية تحوّلت إلى ميادين معارك فِكرية إلكترونية مُلوثة بالكراهية في بعض وسائل الإعلامومنصّات التواصل الاجتماعي.
ومن هذا المُنطلق فإني أقولها كرئيس لــ “وِحدِة ثقافة السلام في الشرق الأوسط” التي تُمثل العديد من مؤسساتالمُجتمع المدني بأنه حينما يتم إحالة (244) قضية خِطاب كراهية إلى القضاء العام الماضي 2024، وأكثر من (50)قضية منذ بداية العام الجاري 2025، فإن هذه ليست مجرد أرقام اعتيادية، بل هي إنذارات خطر تُدقّ في ضميرالمجتمع الأردني، وأنها تذكير بأن الحرب القادمة ليست فقط حرب على الحدود أو عِبر الحدود التي يحميها رجالقواتنا المُسلّحة البواسل، بل هي أيضاً في بعض العقول المريضة، وذلك من خِلال المنشورات والتغريدات فيالتعليقات في بعض وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي التي قد تبدو عابرة للكثيرين، ولكنها تُخلِّف شروخاًيصعُب التئامها في المجتمع.
إننا في “وِحدِة ثقافة السلام في الشرق الأوسط”، لا نرى في هذه الجهود التي يبذلها الباشا مازن الفراية وطاقم وزارةالداخلية، واللواء عبيدالله باشا المعايطة وأجهزة وأدارات الأمن العام هي مجرّد جهودٍ وقرارات تنفيذية فحسب، بلنرى أنها تُمثّل مشروعاً فكرياً وطنياً لحماية الأردن من أن يصبح رهينة لخِطاب مسموم يُحوّل الاختلاف إلى صراع،والتعددية إلى تهديد. وهنا، لا يكفي العِقاب وحده، بل نحتاج إلى “جبهة وعي وطنية” داخلية قوية تقف مع جبهةسيادة القانون، بحيث تقوم هذه الجبهة بتسليح المواطنين بالفِكر الآمن والأمين، مثلما يُسلَّح المُتطرفون بالكراهية.
ونؤكد في “وِحدِة ثقافة السلام في الشرق الأوسط” بأن الجهود التي تبذلها وِحدِة مكافحة الجرائم الإلكترونية، ليستمجرد تطبيق للقانون، بل هي سدٌّ يحمي نسيجنا الاجتماعي الأردن من خطر التطرّف وخطاب الكراهية، وعليه، فإننانثمّن هذا الدور الحيوي للعيون الساهرة في هذه الوِحدِة وفي كل الأجهزة الأمنية، ونؤكد على أن مواجهة خِطابالكراهية والتطرّف، لا ينبغي أن تقتصر على المُلاحقة الأمنية فقط، بل يجب أن تمتد إلى ميدان التربية والتعليموالإعلام، وإلى المناهج المدرسية والجامعية، وكذلك إلى “المنابر” التي تصوغ فِكر الأجيال، ووصولاً إلى مبادراتالمُجتمع المدني، الذي نحن جزء منه.
هذه فرصة في هذه المناسبة أن نُشيد أيضاً في “وِحدةِ ثقافة السلام في الشرق الأوسط” بالجهود التي يبذلها “مركزالسِلم المجتمعي” التابع لمديرية الأمن العام، لأنه يعمل على ترسيخ السِلم المجتمعي، خاصة من خلال مبادراتريادية تصل إلى الشباب والفتيان والأطفال في المدارس والجامعات، ومختلف القطاعات، ومؤسسات المجتمعالمدني وغيرها، باعتبار الشباب والفتيان والأطفال يُمثلون حوالي ثلاثة أرباع المُجتمع المدني.
وعليه، نُحيّي هذه العزيمة الماثلة أمامنا في قلب ووجدان الباشا مازن الفرّاية وفي جهود اللواء عبيدالله باشاالمعايطة، وفي حُماة الوطن في وِحدِة مُكافحة الجرائم الالكترونية، ليس فقط لأنها تواجه خطاب الكراهية والتطرّفكواجب مهنيٍ فحسب، بل لأنها تفعل ذلك بفهم وطني عميق لما يعنيه أن تكون الدولة أكبر من الكلمات المُحرِّضة،وأعمق من الاستقطاب، وأقوى من محاولة جرفها إلى مستنقعات الفوضى، كما يحدث بكل أسف في العديد منالدول في منطقة الشرق الأوسط، والتي دفعت ثمناً باهضاً بسبب الإرهاب والتطرّف والكراهية، وأصبح “السلاح” فيأيدي الإرهابيين والمُتطرّفين فيها هو “القاضي والجلاّد”، وأصبحت قيّمة الإنسان هناك لا تزيد عن ثمن الرصاصة التيتُطلق عليه.
لكم منا كل التقدير والاحترام على جهودكم الوطنية الصادقة في وزارة الداخلية وفي مديرية الأمن بشكل عام، وفيوِحدِة مكافحة الجرائم الالكترونية بشكل خاص، مع تأكيدنا بأن “وِحدِة ثقافة السلام في الشرق الأوسط” ستكوندائماً وأبداً شريكاً في بناء حِصن الوعي الوطني الأردني، وحصن الأمن والأمان والاستقرار، لأن الأردن هو الأنموذجالأفضل والأميّز في بناء السلام والأمن والأمان والاستقرار في المنطقة بفضل قيادته الحكيمة، وبفضل أجهزته الأمنيةكافة، وبفضل الأردنيين الذين يدركوا بأن الأمن والأمان والاستقرار هو رأسمال الأردن الأول والأخير.