..ملاحظة : هذا المقال خالٍ من العواطف ، ولا يبحث عن شعبيات وإثارة ، ولكنه جاف وعلمي فقط .
أولا : أحر العزاء لأهالي الضحايا الأبرياء وللشعب الأردني بأسره في هذا اليوم الحزين.
ثانيا : لا بد من الفصل بين حادثة مداهمة السيول لرحلة الطلبة ، وبين انهيار الجسر ، ذلك أن المكانين يبعدان عن بعضهما أكثر من كيلو متر على الأقل ، كما أن انهيار الجسر حصل بعد الحادثة المشؤومة بساعات ، لا بل إن هذا الجسر تحديدا غير متاح لحركة السير منذ مدة ، ولا يسمح للسيارات بعبوره وهناك تحويلة للسير لتفاديه، فلا يجوز الخلط بين الأمرين .
ثالثا : لقد كانت النشرات الجوية واضحة في تحذيراتها من عدم الاقتراب من مجاري الأودية والمناطق المنخفضة ، ومن حدوث السيول الجارفة ، وهنا فإن توقيت هذه الرحلة مؤسف ، وتتحمل المدرسة المسؤولية كاملة عن استمرار مخططها في تنفيذ الرحلة رغم حالة الطقس ، كما أن الأهالي عادة ما يتدخلون في نوعية لباس الأولاد عند حلول المنخفضات الجوية ، فما بالنا بالذهاب في رحلة إلى منطقة معروفة بانخفاضها وسيولها الخطرة .
رابعا : كان على دوريات الشرطة منع حافلة الطلاب من التواجد في هذه المناطق ، وهي التي تفتش السيارات على الطريق المحاذي للبحر الميت.
خامسا : لا تستطيع حتى أغنى الدول أن تقوم بأعمال بنية تحتية لكل مواقع السيول ، ولكنها تنفذ ذلك فقط في المناطق المأهولة أو التي تحتوي على منشآت ، وموقع الحادثة المشؤومة بعيد عن منطقة الفنادق ، وللعلم ، فإن هذه السيول تحدث هناك كل عام ، ولولا تواجد الأطفال الأبرياء في هذا التوقيت السيء لكان يوم أمس يوما عاديا .
سادسا : لا أظن أن وزير التربية والتعليم يعرف عن آلاف الرحلات التي تقوم بها المدارس على مدار العام ، وأتصور بأن الموافقات على الرحلة قد تمت قبل وقت ليس بالقصير من يوم الفاجعة ، ولكنني لو كنت محله لقدمت استقالتي ليس لتقصيره أو مسؤوليته ولكن احتراماً لأرواح الأطفال الضحايا ، وكنوع من التضامن مع عموم الشعب الحزين والغاضب.
سابعاً : الجسر الذي انهار ، قامت شركة صينية محترفة بتنفيذه قبل أكثر من ثلاثين سنة
ثامنا : إن منطقة البحر الميت تتعرض لسيول وانجراف تربة وانحسار لمستوى مياه البحر وتحتوي التربة والمياه على معادن وأملاح قاسية تهاجم جسم الجسر الخرساني وحديد التسليح والمساند ، وهو لذلك بحاجة إلى صيانة دائمة، فليس هناك منشأ يعيش إلى الأبد .
تاسعا : لقد قمت شخصيا ، وبصفتي وكيلا لشركة ألمانية كبرى مصنعه لمساند وفواصل تمدد الجسور بتقديم تقرير مشترك مع مهندسين من الشركة الألمانية حول كيفية صيانة حزمة الجسور المتضررة في منطقة البحر الميت وذلك منذ ثماني سنوات ، وكانت تلك الدراسة مجانية ، كما وقمنا مرة أخرى بتقديم عرض فني ومالي لتنفيذ هذه الصيانة بالاشتراك مع المقاول الذي يقوم بعطاء الصيانة الروتينية لجسور وطرق المنطقة قبل عامين ، ولكن الوزير لم يحرك ساكناً .
عاشرا : قامت مديرية صيانة الجسور خلال العام الماضي بإعداد دراسة وعطاء للقيام بأعمال الصيانة لهذه الجسور والتي هي بحاجة لصيانة عاجلة ، ولكن الوزير لم يحرك ساكنا.
حادي عشر : تبين أن الوزير نفسه قد كلف شركة هندسية كبرى بإعداد نفس هذه الدراسة وبمبلغ مالي غير هين، وذلك عن طريق التلزيم ، في حين بقيت جهود مهندسي وزارة الأشغال العامة الذين أعدّوا الدراسة حبيسة الأدراج .
ثاني عشر : قامت وزارة الأشغال العامة بطرح عطاء صيانة هذه الجسور والتي من بينها الجسر سيء الحظ قبل أسبوع من الآن، ولكن عقب خراب مالطا .
ثالث عشر : في الوقت الذي تذرعت قيادة الوزارة عبر سنين طوال بعدم وجود مخصصات مالية لصيانة هذه الجسور ( ثروة وطنية ) ، كانت تجد الأموال الكافية لبناء جدار استنادي لمنزل رئيس وزراء سابق بكلفة تزيد عن مليون دولار ، وأنفقت كثيرا من أموال المنحة الخليجية على طرق زراعية وخلطات وساحات اسفلتية لمزارع نواب ومتنفذين، بل وبعض منها داخل مزارع هؤلاء .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
المهندس سمير القضاة