عصام الموسى يُؤرِّخ حضارةَ التواصل بِحِرفيَّةِ أكاديمية وذائقة فكرية
انجاز-يُتَوِّجُ الدكتور عصام سليمان الموسى، أستاذ الإعلام في جامعَتَيْ اليرموك وفيلادلفيا (الاردن) مجموعاتِه الكتابِيَّة الثريَّةَ والمُوَزَّعة بفنِّيّةٍ أسلوبيةٍ راقيةٍ، و وِفقَ تَنَوُّعٍ مايزٍ للنتاجاتِ التي تَرَكَتْ تَحَوُّلاتٍ دالَّةً في الحركةِ الفكر يَّةِ الأردنية الحديثة، بأَثَرٍ أكاديميٍ أصيلٍ عَنْوَنَهُ بِحِرَفيَّةٍ علميةٍ و إحترافيةٍ إعلامِيَّةٍ { تاريخ الإتصال والإعلام العربي 150 ق.م -الحاضر الرقمي }، وهو الكتابُ الذي أَسَّسَ لمرحلةٍ جديدةٍ من الفكرِ التواصليِّ الرقميِّ المبني على مُرتكزاتٍ معرفية واسعة منذُ بدايات المعرفة الإنسانيةِ وبدائياتِ التواصل، إِنتهاءً الى ما واكبَ حضارةَ الإتصال وتطوّراتِ تحديثاتها على مدىً تاريخيٍّ كثير الإيغال في {الزَمَنِ الحضاري }، الذي إنطلقَ من عصور الاتصال الاولى ( 800 ق.م ) وحتى تَكَوُّن صورة المعلوماتية وشيوع التواصل الرقمي، الذي بَدَّلَ من حياة الشعوب في مسيراتها التاريخية و مساراتها التَطَوُّرِيَّة.
ويحملُ هذا الكتاب في فصوله الثلاثة عشر، والمنتظِمَة صفحاته في 364 صفحة مُدَّعمة بمصادر و مراجع عربية 56 وأجنبية63، رؤيةً جديدة لتاريخِ الحضارة العربية بالارتكاز على منظور الاتصال ونُشُوءِ فكرة التبادل المعرفي على مختلف المستويات النقشيَّةِ والكتابية واللَّفظِيَّةِ.
ويُؤسِّسُ هذا النوع من البحوث الاكاديمية، المازِجِ بينَ الصحافة وتاريخ الفكر والادب و علم الحضارات، لِنَمَطٍ جديدٍ من الدراساتِ الصَلْبَةِ المَبْنيةِ على رُؤيةٍ مَنهجيةٍ هادفةٍ لتقديمِ إضافاتٍ جديدة على التراث العلمي العربي، في فنون التواصل وعلوم التاريخ وتركيز تطلُّعاتٍ مُستقبليَّةٍ، كما تسعى الى تَقعيدِ أُسُسٍ حديثةٍ لِفَهْمِ أسراريَّةِ الفكر العربي، بتراكماته التراثية و التَغَيُّراتِ التي فرضتها قواعد التماشي مع التطوّر الحضاري، حيثُ تحوَّلتْ المجتمعاتُ البشرية المتُراميةُ التوزُّعاتِ جغرافيًا، الى مُجتمعٍ كبير تتَداخَلُ فيه جماعاتٌ، تتفاعلُ حيناً و تتنافرُ مرّاتٍ كَثيراتٍ، مع حفاظ كلٍّ منها على خصوصياتها كَنُوَاةٍ و مُرتَكَزٍ حضور، رُغْمَ التداخلات والتأثيراتِ والتأثُراتِ التي تتشابكُ بواسطتها مع خصوصيات و فرادات مجتمعات أخرى.
مع هذا الكتاب المَرجَعِيّ، يخلصُ القارئ الى مُسَلَّمَةٍ ثابتة، هي أنه لَيْسَ بالإمكان مُقاربَة التاريخ الحضاري للشعوب دون الانطلاق من إشارات الحضارات الأولى المايزِةِ لعلاماتها الفارقة، مُستنداً في بحوثه المركَّزة الت إنتظمها محطَّاتٍ تاريخية، بدءاً من الرسوم الاولى التي ولَّدت ثورات إتصالٍ معرفية، مُفصِّلاً عصورَ الإتصال الخمسة الاولى (8000 ق.م ). وصولا الى الحاضر الرقمي، مع ما تتطلَّبه البحث حول مركزية الاتصال في الحضارة الانسانية، وإنعكاساتها الايجابية على المجتمعات والتطورات البشرية.
تطورات البيئة الحضارية
واللّافِتُ في مضامين هذا الكتاب المرجعي، واعتقد انه أوّل مُؤلَّفٍ علمي يتناول تطورّات بيئتنا الحضارية، من منظور إتصالي، هو تناوله لمظاهر الاتصال في حضارتَيْ ( ما بين النَهريَن ) و ( ووادي النيل )، بأسلوبٍ تَعَقُّبيٍّ و رؤيةٍ عُمقيَّةٍ وموضوعية. فضلاً عَمَّا ضَمَّنهُ الدكتور عصام الموسى من بحثٍ مُفيضٍ و مُفيدٍ يتعلق بثورة الأبجدية الالفبائية في بلاد الشام، مع تعريفٍ لمُحَدِّداتِ الأبجديات الفينيقية والآرامية والعربية القديمة، بما يُمَهِّدُ للكلام التفصيلي عن ثورة الإتصال الأولى وعلاقتها بالحضارات العبرية والفارسية واليونانية والرومانية بين (1500 ق.م و 150 ق.م). وتأسيساً على هذا الذُخْرِ من المعلومات التاريخية والأسانيد الأثرية، وظَّفَ البَاحِثُ ثقافته الأنسكلوبيدية الغنيَّة المدارك والنَوعيَّة المعارف، للإنتقال الى دورِ العرب الأنباطِ في ثورة الإتصال الاولى بين ( 150 ق. م و 106 م )،و مُتعرِّضاً للحضارة الورقية في العصر العباسي واثرها في ترخيم النشاط الادبي الشعري والروائي والعلمي، وصولاً الى إنعكاسات منع إدخال المطبعة، وحالة الجمود الفكري والوقفية الحضارية بين (1439 ق.م و 1916.م ).
التطور الاتصالي
هذه التمهيداتُ المازجة بين عِلمَيْ التاريخ والحضارة الإنسانية، أَفضَتْ الى نظريةٍ (تعميق الشفاهية) التي أَبْدَعَ الدكتور الموسى بتفصيلها وشرح مظاهرها وتأثيراتها على التطوّر الاتصالي، وفتحَ الأذهان للتفاعل معها من حيث هي المدخل الى بناء علاقات تواصل و تلاقٍ على مستويات الحوارات الدينية والحضارية، بما يُوَفِّرُ إمكاناتٍ جيِّدة للتواصل الثقافي و تلاقُحِ الحضارات. ولعلَّ ما أستَشِفُّهُ من أفكارِ الدكتور عصام هو سَعيُهُ للإنتقال من الكلام عن مفهوم (تعايش الحضارات) الى (نظرية تكامل الثقافات )، حيثُ يَعتَبرُ ان الإتصال الجيِّد يُمهِّدُ الى التواصل المُحترم والمفيد لكل الأطياف المُشاركة في عملية (التثاقف المفتوح )، وهذه أفضل وأقصرُ و أسلَمُ الدروب الى صناعة السلام بين الشعوب، على قاعدة الإحترام المجتمعي والتاريخي وحفظ كرامة الكيانات الحُرَّة والمستقلّة.
و زُبدَةُ الكلام في هذا الأثر المعرفي الفريد، هو التوقف ملياً عندَ الصورة الرقمية وأثرها على الاعلام العربي بكلِّ فنونه و توجُّهاته، و تَفْنيدِ التحديَّاتِ التي إعترضَتهُ في بداية تعامله مع الاعلام الرقمي منذ 1990، الى الزمن الحَاضِر الذي يترك إِرهاصَاتِهِ على الساحة الاعلامية العربية بشكلٍ واسع و تركيزٍ عميق.
{ تاريخ الاتصال والاعلام العربي}، كِتابٌ استثنائيُ الطرح والمعالجة والاستخلاص، يُضاف الى نتاجات الدكتور عصام سليمان الموسى الأربعة عشر والموزعة بالعربية والانكليزية بين الاعلام والحضارة والرواية والقصص القصيرة، مما يَدُلُّ الى الذُخْرِ الثقافي والفكري والذائقة الأدبية التي تربَّى عليها في بيته الوالدي، حيث كان للأستاذ سليمان الموسى جولاتٌ تأريخية وفكرية، تشهد لها المكتبة العربية.
والدعوة موصولة الى كليات ومعاهد الاعلام العربية لاعتماد هذا الكتاب مرجعاً علمياً يُستنَدُ اليه في البحوث الحضارية والتواصلية، وإستراتيجيات بناء الجسور الحضارية والثقافية بين الشعوب، تَوصُّلاً الى التوفيق بين الإعلام الكلاسيكي والتواصل الرقمي الذي سيكونُ من أبرزِ التحوُّلاتِ في حضارة الألفية الثالثة.