النقابة والصحافة الاردنية: جدلية المصير بين القيود والمصاعب٠
كتبت :رندا حتامله
في مشهد تعصف به رياح الأزمة الاقتصادية وأمواج التشريعات المقيدة، تقف الصحافة الأردنية يوم الجمعة المقبلة عند مفترق طرق حرج، تحاول التشبث بدورها كسلطة رابعة، فيما تتلاشى حقوق الصحفيين بين قبضة التشريعات الصارمة وضعف العمل النقابي، وبينما تحتاج الأردن إلى إعلام حرّ ونقابات قوية تحفظ حقوق العاملين وتحمي استقلالية الكلمة، تبدو الحقيقة عالقة بين المطرقة الأزلية والسندان الواهن.
ولطالما كانت الصحافة في الأردن منبرًا لصناعة الرأي العام، غير أنها تواجه اليوم قيودًا قانونية متزايدة، وأوضاعًا مالية تهدد بقاءها، فالتشريعات مثل قانون الجرائم الإلكترونية وقانون المطبوعات والنشر، وما يتبعهما من تعديلات، تضيّق الخناق على الصحفيين، وتضعهم تحت طائلة المساءلة حتى في القضايا المهنية البحتة، أما المؤسسات الإعلامية، فتخوض معركة بقاء في ظل أزمة مالية خانقة، حيث أُغلقت صحف ورقية عريقة، وأخرى تصارع لدفع رواتب موظفيها، التي غالبًا ما تتأخر أو تُخفَّض.
وفي ظل اعتماد التمويل الإعلامي في الأردن بشكل أساسي على الإعلانات،و مع تحول الشركات نحو الإعلان الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي، فقدت الصحف مصدر دخلها التقليدي، وهذا الاعتماد المتزايد على الدعم الحكومي أضعف استقلالية العديد من وسائل الإعلام، لتصبح رهينة أجندات سياسية أو اقتصادية، ما أدى إلى تآكل ثقة الجمهور بها.
أما الصحفي، وهو الممثل الأساس لهذا المشهد، فقد أصبح وضعه المعيشي أكثر هشاشة. فكثيرون باتوا يعملون برواتب لا تكفي لسد احتياجاتهم الأساسية، بينما اضطر آخرون إلى مغادرة المهنة أو البحث عن فرص عمل خارج البلاد، أو اعمال اضافية خارج اوقات ساعات العمل الرسمية.
الأمر الذي يُلزم النقابات المهنية، وعلى رأسها نقابة الصحفيين، أن تكون الحصن الحامي للعاملين في المجال الإعلامي، إلا أنها بدورها تعاني من أزمات داخلية تفقدها فعاليتها، رغم أنها من أقدم النقابات في الأردن، إلا أن تأثيرها في تحسين أوضاع الصحفيين ما زال محدودًا، حيث تبدو قضايا مثل البطالة وتدني الرواتب وغياب التأمين الصحي والتقاعدي غائبة عن أولوياتها.
بالمقابل، نجحت بعض النقابات العمالية والمهنية الأخرى، مثل نقابة المعلمين، في تحقيق حضور قوي قبل خروجها عن دورها النقابي ودخولها في متاهات سياسية لم تكن من اختصاصها ولاتخدم المهنة الأمر الذي أضعف دورها، في ظل تخلي نقابة الصحفيين عن دورها في النقد والتوجيه وممارسة دور السلطة الرابعة الجوهر الأساس لمهنة الصحافة وباتت أقرب إلى الهيئات الشكلية، بدلاً من أن تكون أداة حقيقية لحماية الحقوق والدفاع عن الحريات، وإنقاذ الصحافة الأردنية من خلال حلول واقعية تُراعي احتياجات الصحفيين، وتحفظ استقلالية المؤسسات الإعلامية، مثل إعادة هيكلة التمويل الإعلامي، بفرض ضريبة على الإعلانات الرقمية الضخمة الموجهة إلى الشركات العالمية مثل “فيسبوك” و”جوجل”، وتخصيص جزء منها لدعم المؤسسات الصحفية المحلية.
وتطوير نماذج اشتراك مدفوعة، من خلال تقديم محتوى نوعي وحصري يشجع الجمهور على الاشتراك والدفع مقابل الخدمة.
وأن يكون الدعم الحكومي مشروط، بحيث يكون الدعم المالي موجهًا لحماية رواتب الصحفيين وليس التأثير على التوجه التحريري للمؤسسات الإعلامية، وتعزيز الدور النقابي، بإجبار المؤسسات الصحفية على تطبيق عقود عمل عادلة، وإنشاء صندوق لدعم الصحفيين العاطلين عن العمل.
وفيما يخص الفنون الصحفية مازال التوسع في الصحافة الاستقصائية والمتخصصة، معدوما الأمر الذي يقلل من استقطاب تمويل من المؤسسات الدولية المهتمة بتعزيز الجودة الإعلامية، وتشجيع المشاريع الصحفية المستقلة، عبر تقديم تسهيلات مالية وإدارية للصحفيين الطموحين لإنشاء منصات إعلامية حرة.
فوجود صحافة حرة ونقابات قوية ليس ترفًا، بل هو ضرورة لبناء دولة ديمقراطية قادرة على مواجهة التحديات، فبدون إصلاحات جذرية، سيبقى المشهد متأرجحًا بين التراجع والخضوع لمصالح القوى المتنفذة، فيما يستمر نزيف المهنة وتضيع الحقيقة وسط زخم الإعلام السريع والموجه.
فالصحافة الأردنية تستحق فرصة جديدة، لكن ذلك لن يتحقق إلا بإرادة حقيقية للإصلاح، وحراك نقابي فاعل يعيد للصحفي كرامته واستقلاله