بقدر ما حملت وتحمل تطورات ما بعد السابع من أكتوبر من مخاطر وتداعيات على دول المنطقة، ثمة فرص سانحة تلوح في الأفق، ما كان لها أن تحدث قبل ذلك.
عانت دول عديدة في المنطقة من ازدواجية السلطة، وفوضى السلاح، وغياب سلطة الدولة لحساب حكم المليشيات، واستعصى التغيير على شعوب كافحت من أجل الحرية والعدالة.
الكارثة التي حلت في غزة، حملت في طياتها بصيص أمل وسط كل هذا الدمار. أيقنت حماس بعد قرابة السنة ونصف السنة أن استمرار حكمها الانفصالي في القطاع ماعاد ممكنا، وقالت بصريح العبارة إنه لم يعد لها طموح في حكم غزة، وهي مستعدة لتسليم السلطة لهيئة انتقالية، قد تفضي في نهاية المطاف إلى عودة السلطة الفلسطينية المركزية لحكم كامل التراب الفلسطيني بضفته وقطاعه.
عانى لبنان من ويلات الحرب الإسرائيلية المدمرة بعد أن فتح حزب الله جبهة الإسناد. انتهى أمر الجبهة باتفاق وقعه الحزب يقضي بالانسحاب من الجنوب اللبناني وتسليم السلطة للجيش. تحركت بسرعة أزمة الشغور الرئاسي في لبنان، فانتخب الجنرال جوزيف عون رئيسا وتشكلت حكومة لبنانية. ولأول مرة منذ عقود يعود قرار الحرب والسلم ليد الدولة، ويكبر أمل اللبنانيين بدولة مستقرة ومزدهرة.
سورية التي أنهكها الصراع المسلح، يشعر شعبها لأول مرة أن ثمة فرصة لمستقبل أفضل رغم تحديات التغيير الهائلة، وصعوبات الانتقال السياسي المحفوفة بالمخاطر. هناك فرصة اليوم لعودة سورية موحدة، إذا ما تمكن النظام الجديد من فرض سلطة القانون على الجميع وحماية الأقليات. وبمساعدة الجيران والشركاء تستطيع سورية أن تتخلص من الاحتلال الإسرائيلي لجزء من أراضيها، وتعود دولة طبيعية في المنطقة.
العراق أدرك أن حكم المليشيات لا يستقيم مع سلطة الدولة. وفتح الجبهات العسكرية هو قرار حصري للدولة وجيشها. البديل كارثي؛هجمات إسرائيلية تعيد العراق لزمن الخراب. فهمت أطراف المعادلة خطورة الموقف ورضخت نسبيا للأمر الواقع. يد إيران الطويلة في العراق لن تبقى كما هي اليوم.
إيران ذاتها أمام فرصة سانحة لاستعادة دورها الطبيعي في المنطقة بعيدا عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وفتح الجبهات العسكرية لتفاوض من خلالها الأميركي على الملف النووي والنفوذ الإقليمي.
يمكن لطهران أن تتجنب سيناريو المواجهة مع الغرب حالما تقتنع بأن دورها لا يتعدى حدودها، وأن القنبلة النووية ليست خيارا بل كارثة على شعبها وشعوب المنطقة. الصفقة مع واشنطن ممكنة ومعها تبدل نوعي في السلوك الإقليمي. تلك فرصة لم تكن متاحة قبل السابع من أكتوبر.
وليس قدرا لمنطقة الشرق الأوسط أن تكون تحت تهديد الضربات الإسرائيلية كما هو حاصل الآن. نهوض الدول وسيطرتها على أراضيها وحصر استخدم القوة بيدها، سيجعل من الصعب على حكومة الاحتلال المتغطرسة أن تواصل عدوانها. الدول ستفرض كلمتها إذا ما تعافت وغادرت مربع أزماتها الداخلية الطاحنة. العالم لن يحتمل دولة الاحتلال بهذا السلوك الوحشي طويلا، ولا بد أن يفرض منطقه.
المهم في هذه اللحظة التاريخية أن نستعيد حكم الدولة في عالمنا العربي المثخن بالجراح. غياب الدول جلب لشعوب عربية الويلات والحروب الخاسرة والفوضى، والفرصة باتت مواتية للتفكير بالاستقرار والنهوض من جديد.
الغد