بلال العبويني
ليست القوانين وحدها التي تساهم في إخراج الإصلاح، من حيز الكمون إلى الفعل الواقع على الأرض، فإصلاح الحياة السياسية والحزبية يتطلب الكثير من الإجراءت المرافقة.فتهيئة الأرض المناسبة للعمل السياسي والحزبي، لا تقل أهمية عن القوانين الناظمة، والتهيئة المناسبة صديقة للأبواب المشرعة أمام الجميع للمشاركة السياسية والانتماءات الحزبية، وهذا لا يتوافق مع التوسع في المنع والاستثناءات.نحن دولة قانون، بمعنى أن القانون هو وحده صاحب السلطة على الجميع، فيحاسب المُخطئ على ما يرتكب من أخطاء مهما كان سبب الخطأ أو غايته ووسيلته.فما هو المانع المُقنع إذن الذي يَمنع من يَعمل في حقوق الإنسان، من الانتماء الحزبي، هل شرحت الحكومة أسباب ذلك؟، وهل أقنعت الناس بما تسوقه من مُبررات؟.قد تقول لنا إن ذلك لضمان الاستقلالية وحتى لا تؤثر الأهواء والميول الحزبية على عمل الموظف أو المدير أو على تعامله مع من يخالفونه في التوجه والقناعة السياسية.في الحقيقة، إن كان هذا المبرر، فإنه لن يكون مقنعا بالمرة، لأن الحال إذن سيكون كأي موظف محاسب سهّل عملية تهرّب ضريبي، مثلا، لغايات حزبية أو لغايات الرشوة واستثمار الوظيفة، فإنه عندئذ سيُحاسب وفقا للقوانين والأنظمة المرعية.ثم كيف نقول إن هناك إجراءات تضمن مشاركة طلاب الجامعات في الحياة الحزبية، فهذا أيضا يفتح الباب عريضا أمام سؤال عن مستقبل طالب جامعي درس حقوق الإنسان، فما هي الرسالة التي أرسلتها الحكومة له، وكيف سيطمئن على مستقبله الوظيفي بعد التخرج؟.ثم ما هي الوظائف الرقابية المستثنية من الانتماء للأحزاب؟، هل من يعمل في مؤسسة الضريبة العامة والمواصفات والمقاييس والغذاء والدواء مستثنى من الانتماء للأحزاب؟، وما السبب إن كان القانون كما قلنا هو الفيصل.أسئلة، تحتاج من الحكومة إلى الإجابة باستفاضة وعليها أن تتحضر لإجابات مقنعة، فذلك كله يقع في باب تهيئة الأرض المناسبة للانتماء للأحزاب وممارسة السياسة.وغير ذلك، فإن الاستثناءات قد تتوسع مستقبلا، من يدري؟، عندها أو قبلها سنسأل ونتخوف على مشروع الإصلاح السياسي برمته.على كل، الاستثناءات ليست صديقة بالمطلق مع الحياة السياسية والحزبية الناضجة، لأن السبب الأبرز الذي منع الأردنيين من الانتماء للأحزاب خلال العقود الماضية، كان الخوف من المستقبل، والسؤال، أليست هذه الاستثناءات التي أقرها مجلس النواب على قوانين ذات علاقة تستحضر ذات الخوف؟.استثناء الأمن والقضاء مفهوم ومُقنع، فالحيادية والاستقلالية مطلوبة وضرورية هنا. لكن أليس كان من الأولى على الحكومة أن تتحدث لطلاب الحقوق تحديدا عن الكيفية التي تمكنهم من أن يصبحوا فيها قضاة مستقبلا، هل بالاستقالة قبلا من الأحزاب؟ بل هل ستؤثر انتماءاتهم الحزبية في مرحلة الجامعة على مستقبلهم؟.أسئلة مازالت مُعلّقة وتحتاج من الحكومة إلى إجابات وإيضاحات؟.