تريو الامريكية في سوريا
مع إطاحة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون بالتزامن مع التحركات العسكرية الأميركية مؤخرا ضد المليشيات المدعومة من إيران في سورية وخاصة بمحيط منطقة التنف، بالإضافة إلى تهديد البيت الأبيض بضرب دمشق، اصبح المشهد الاميركي بشأن سورية أكثر وضوحا وحسما، بأن معسكر الإدارة الاميركية انهيا خلافهما بشأن تنفيذ خطة “التريو” العسكرية الاميركية الخاصة بسورية، سيما بعد تسلم رجل الاستخبارات مايك بومبيو والذي يوصف بـ”المتشدد الجمهوري” سدة وزارة الخارجية.
وخطة تريو العسكرية هي الاختصار لتجمع القوى العسكرية الأميركية، من وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي والاستخبارات، وهم مجتمعون يشكلون التريو المسؤول عن الخطط العسكرية، والتي يدعمها ويؤيدها الرئيس الأميركي، فيما وزارة الخارجية الأميركية كانت تقف على الطرف الآخر قبل بومبيو.
وتقوم الخطة على تحجيم الدور الإيراني في سورية، أو الوصول إلى أقصى حد من تدمير أدواته على الأرض السورية من خلال تدمير وطرد مليشياته.
فبينما تميل وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي والاستخبارات إلى تطبيق خطة التريو، والتي تتضمن نشر نحو 10 آلاف جندي أميركي في سورية، ويدعمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كانت حمائم وزارة الخارجية الاميركية بعهد تيلرسون، ما تزال تعيش تقليديا بعقلية موظفين كبار من الحزب الديمقراطي، وتميل إلى انجاز اتفاقيات مجتزأة في سوريه.
وبحسب ما يقول منسق الجبهة الجنوبية المعارض السوري ابو توفيق الديري لـ”الغد”، فإن الخطة “تريو” التي رسمت في عهد ترامب هي تعديل على خطة أوباما – وأهمها زيادة الدور والفاعلية العسكرية على الأرض – بتقسيم مناطق النزاع مع إيران، وفصل الحدود السورية اللبنانية، وفصل الحدود العراقية السورية، وتصفية الميليشيات المساندة لإيران، ودعم الخط الأميركي في العراق بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي، وإنهاك القوى الإيرانية الموجودة في سورية.
ويضيف الديري بأن خطة “التريو” بدأ التسريع نحو تطبيقها مع وصول تعديل الاتفاق النووي الى طريق مسدود، مشيرا الى وجود ضغط اميركي حاليا باتجاه استقالة مسؤولة السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي موغريني مهندسة الاتفاق، بالاضافة الى رحيل المبعوث الاممي الخاص بالملف السوري ديمستورا عن الملف.
وقال ان الفرنسيين والالمان دخلوا على الخط دعما للموقف الاميركي، مشيرا الى انه ولاول مره نرى هذا الاصطفاف الغربي الاميركي، المانيا و فرنسا و بريطانيا و اميركا في سرب واحد.
و يؤكد المحلل الاستراتيجي السوري المعارض العميد احمد رحال بأن الولايات المتحده هي دولة مؤسسات، وهذه المؤسسات هي التي صنعت خطة “تريو” الخاصة بالملف السوري، مؤكدا بأن ترامب باطاحته بتلرسون هو يعيد ترتيب البيت الداخلي، وهو لا يريد ان يسمع صوتا مغايرا لصوته، ليس في الازمة السورية فقط بل في ملفات عديدة.
وتوقع رحال بان الانسحاب الاميركي من المراكز العسكرية العشرة في الرقة ودير الزور والتنف لن يحدث في المدى المنظور، وان هناك حالة اشتباك اميركي روسي قوية جدا حاليا، مدللا على ذلك لـ”الغد” بـ”التهديدات الاميركية بضرب دمشق وعزمها اقامة قوة عسكرية لحماية الحدود، واستقبال الاميركان للوفد التفاوضي المعارض، وتحميل الروس الاميركان مسؤولية 13 طائرة الدرون التي ضربت قاعدة حميميم في طرطوس ليلة راس السنة”.
ووفق هذه المعطيات الجديدة على الارض السورية فقد اصبح من المؤكد ان اخلاء التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” الارهابي، والذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية، لمراكزه العسكريه العشرة في سورية، خاصة في منطقة التنف( الـ55)، بمثلث الحدود الاردنية السورية العراقية، كما يطالب الروس لن يتم في المدى المنظور ويدخل ضمن حسابات هذه الخطة، رغم “انقراض داعش” في الشرق السوري كما يتحدث مسؤولون روس، والذين يؤكدون انها كانت “مسوغ التحالف الوحيد للتواجد في هذة المنطقة”.
وهو ما يؤكده تصريح لـ “ترامب” في مؤتمرٍ صحفيّ مع رئيس الوزراء الأسترالي في واشنطن الاسبوع الفائت، “نحن في سورية لغرضٍ وحيدٍ هو التخلص من (تنظيم الدولة) والعودة إلى الديار. نحن لسنا هناك لأي سبب آخر، وأساسًا نحن حققنا هدفنا”.
لكن الولايات المتحدة التي بدى انها غابت في الفترة الماضية عن المسرح السوري، عادت اليه بشكل قوي و”بمسوغات جديدة” كما تقول روسيا، من شأنها ان تبقي ولو بالمدى المنظور على هذة القواعد، لاجل لا تعلمه الا وزارة الدفاع الاميركية فقط.
وهو ما يكشفه خطاب سابق لتيلرسون القاه في جامعة ستانفورد الشهر الفائت، والذي وصف بأنه يعبر عن استراتيجية إدارة ترامب الجديدة بشأن سورية، والتي تتضمن نشر الجيش الأميركي قرابة 2000 من القوات البرية في سورية، بيد أنه قال ان “الولايات المتحدة ستسعى بالسبل الدبلوماسية من أجل خروج الأسد من السلطة”، لكنه دعا إلى “التحلي بالصبر”.
وهو ما اجبر رئيس هيئة الأركان العامة الروسية “فاليري غيراسيموف” للتعبير عن استيائه من ذلك مؤخرا لوسائل اعلام روسية، بقوله أن إجابات الولايات المتحدة بشأن اخلاء قاعدتها في التنف قرب الحدود السورية العراقية الاردنية “مبهمة وغير مفهومة”، رغم ان سورية تحررت من “داعش” ولم يبق أي منهم.
هذا الاستياء كان مبعثه رد الولايات المتحدة، الذي فاجأت به الروس بمسوغ جديدة يبقي وجودهم في هذه القاعده بأنهم” لن يرحلوا عن سورية قبل إطلاق عملية سياسية فيها تأخذ بمصالح المعارضة”، وهو ما ابلغت فيه الولايات المتحدة الجانب الروسي، بحسب تأكيدات ادلى بها مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية “ميخائيل بوغدانوف” لوسائل اعلام روسيه، والذي اضاف يقول للأميركان في ذات التصريحات” النصر على داعش تحقق، ولم يعد هناك أي مبرر عملي لبقائكم في سورية، كما لم يكن لديكم أي مبرر قانوني للتواجد على الأراضي السورية أصلا”.
ورغم هذا الاشتباك الاعلامي بين هاتين الدولتين الاكثر فاعليه على الساحة السورية، الا ان مصادر اردنية تتوقع ان تستمر الازمة السورية لسنوات مقبلة، وتبقى مفتوحه على جميع الخيارات، في ظل عدم اظهار الاطراف المتصارعه حتى الآن جنوحا حقيقيا نحو حل سياسي ينهي هذة الازمة.
واضافت ان الجنوب السوري الذي ترجح معظم التصريحات الاعلاميه انه هو المرشح المقبل لحملة عسكرية للجيش السوري، بعد ان تنتهي معارك الغوطة الشرقيه، على الاغلب انه لن يشهد مثل هذه الحملة، خصوصا وان هناك تفاهمات حقيقية وواضحه على اتفاق خفض التصعيد فيه بين الدول الموقعه عليه والاكثر فاعليه في الازمة السورية وهي الولايات المتحدة الاميركية وروسيا، بالاضافة الى الاردن، البلد الجار والاكثر تأثرا بالازمة، والذي يحتفظ بعلاقات مقبوله مع الحكومة السورية والمعارضة بذات الوقت.