تونس: «النهضة» تلمّح إلى احتمال تخلّيها عن ترؤوس الحكومة المُقبلة وشركاؤها يتمسكون بشروطهم لمّحت حركة النهضة التونسية إلى احتمال «تخليها» عن ترؤس الحكومة المقبلة، في وقت لم تُسفر المفاوضات التي تجريها الحركة مع الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمان، عن أي جديد. فيما اقترح حزب تحيا تونس (حزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد) تشكيل حكومة «مصلحة وطنية» لا تقوم على المحاصصة الحزبية، كما دعا مراقبون حركة النهضة وبقية الأطراف إلى التخلي عن جميع شروطهم المسبقة، معتبرين أن التأخر في تشكيل الحكومة يؤثر سلباً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. وكان رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، استقبل أخيراً وفداً يضم الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، محمد عبو، وبعض قيادات الحزب، للحوار حول آلية تشكيل الحكومة. وأكدت الحركة، في بيان أصدرته الخميس، أن اللقاء كان إيجابياً، «إلا أن حزب التيار الديمقراطي تمسك بمقاربته للحكومة القائمة على رفض ترؤس حركة النهضة للحكومة بأحد قياداتها مع تمسكهم بالوزارات الثلاث». فيما أشار القيادي في حركة النهضة، سمير ديلو، إلى أن المفاوضات مع جميع الأطراف السياسية حول تشكيل الحكومة ما زالت تراوح مكانها. لكن ديلو أكد أن حركة النهضة لم تتمكّن إلى حد الآن من تحديد هويّة رئيس الحكومة الجديد، الذي قال إنه قد يكون من داخل الحركة أو من خارجها، وهو ما يعني إلى أن «النهضة» قد تتخلى عن شرط ترؤسها للحكومة المقبلة. وكان عماد الخميري، الناطق باسم حركة النهضة، أكد قبل أيام لـ»القدس العربي» أن الحركة متمسكة برئاسة الحكومة المُقبلة، وفق ما ينص عليه الدستور التونسي، داعياً الأطراف الفائزة في الانتخابات، وخاصة حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب، إلى التخلي عن «شروطها التعجيزية» للمشاركة في الحكومة، وتحمل مسؤوليتها «خارج المقاعد المريحة للمعارضة التي تحصّنت بها لخمس سنوات». من جانب آخر، حذر حزب تحيا تونس من الآثار السلبية لتعطل مسار تشكيل الحكومة «على سير دواليب الدولة ورعاية مصالح المواطنين وستُؤثّر على التزامات تونس مع شُركائها الدوليين ومصالحها». ودعا في بيان أصدره الأربعاء «جميع الأحزاب والقوى الوطنية لتحمّل مسؤولياتها التاريخية بالتخلي عن المنطق الحزبي الضيق والمحاصصة، حِمايةً لمسار الانتقال الديمقراطي والاستقرار السياسي في البلاد». واقترح الحزب تشكيل «حكومة مصلحة وطنية، ترتكز على برنامج إصلاح وطني، تعمل على مواصلة تفعيل الإصلاحات الكبرى و تواصل الحرب على الإرهاب والفساد، وتستجيب لتطلّعات الشّعب، يشارك فيها طيْف سياسي وطني واسع وتحظى بدعم المنظّمات الوطنية، توفيراً لأكثر أسباب النجاح والقدرة على مجابهة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة»، معتبراً ذلك الحل الأمثل لتعطل مسار تشكيل الحكومة المقبلة، والتي جدد تأكيده أنه غير معني بالمشاركة فيها «احتراماً لنتائج الانتخابات التشريعية وانسجاماً مع مُقتضيات الدستور». على صعيد آخر، دعا بعض المراقبين الأطراف المشاركة في مشاورات تشكيل الحكومة إلى التنازل عن بعض شروطها لتسهيل عملية التوافق حول مكونات الحكومة وبرنامجها، حيث دوّن الباحث د. رياض الشعيبي: «(يجب) أن تدعو حركة النهضة (الحزب الأول في الانتخابات) كل الأحزاب البرلمانية للتنازل عن الشروط المسبقة أو المقصية لبعضها البعض للمشاركة في حوارات الحكومة الجديدة. على أن تبادر حركة النهضة نفسها بالتنازل عن شرط ترؤسها للحكومة وحركة الشعب عن فكرة الحكومة الرئاسية والتيار عن بقية شروطه. كما تتنازل الأطراف جميعها عن سياسة التنافي المتبادل بينها، سواء فيما يتعلق بائتلاف الكرامة أو قلب تونس أو الحزب الدستوري أو تحيا تونس. ولا يستثنى من الدعوة للحوار حول تشكيل الحكومة الجديدة إلا الأحزاب التي تتمسك بشروطها الإقصائية لغيرها أو الرافضة طبعاً للمشاركة». وأضاف: «الاتفاق على مرجعية الدستور في تمشيات تشكيل الحكومة، وأية تسوية سياسية ممكنة، يجب أن لا تتجاوز ما جاء في الدستور التونسي. على أن ذلك لا يعني آلياً إقراراً بالقبول برئاسة حركة النهضة للحكومة الجديدة. إذ إن حق رئاسة النهضة للحكومة الذي يكفله الدستور لا يتناقض مع أي اتفاق سياسي ممكن على غير ذلك». وتحت عنوان «انتخابات مبكرة أفضل من حكومة هشة وغير قابلة للاستمرار»، كتب الباحث عادل بن عبد الله: «انطلاقاً من اقتناعي بضرورة إبعاد قلب تونس وحزب عبير موسى عن أي مفاوضات لتشكيل الحكومة، وانطلاقاً من إيماني بأن التركيبة المثالية للحكومة يجب أن تشمل حركة النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب، فإنني قد وصلت إلى القناعة التالية: إن حكومة بغير التيار وحركة الشعب هي حكومة لا تملك مقومات البقاء، ولكنّ حكومةً بشروط التيار وحركة الشعب هي حكومة لا تملك مقومات الحياة». وأضاف: «قد يكون من باب المزايدة السياسية أو الأيديولوجية إنكار حق حركة النهضة الدستوري في أن يكون رئيس الحكومة منها، ولكن من الناحية السياسية ليس من حقها أن تفرض أحد «التوافقيين» والمطبعين مع المنظومة لرئاسة الحكومة، كما أن من حق التيار وحركة الشعب أن يطالبا ببرنامج حكومي واضح يكون قاعدة للحكم التشاركي، ولكن ليس من حقهما أن يصادرا على حق النهضة في رئاسة الحكومة، ولا أن يصادرا على فساد كل قياداتها بخطابات طهورية ومزايدات سياسية قائمة على التخوين وانعدام الثقة بصورة جوهرية ونهائية». وتابع بقوله: «في صورة استمرار هذا المشهد التفاوضي المحكوم بانعدام الثقة المتبادلة، قد يكون من الأسلم لمسار الانتقال الديمقراطي الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة. وهو خيار مكلف مادياً وسياسياً، لكنه أفضل من تشكيل حكومة لا تمتلك أي مقام من مقومات الاستمرار بحكم انعدام الثقة والاحترام المتبادل والقدرة على العمل المشترك بين مكوناتها المفترضة». ويبذل الرئيس التونسي، قيس سعيّد، جهوداً كبيرة لتجاوز تعثر مسار تشكيل الحكومة المقبلة، حيث التقى في الأيام الماضية أغلب الأطراف السياسية الفائزة في الانتخابات، بهدف تقريب وجهات النظر فيما بينهم لتجاوز سيناريو إعادة الانتخابات البرلمانية، والذي سيكلّف البلاد كثيراً على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.