جامعة اليرموك…أربعون عاماً من البناء والعطاء
أ.د. رفعت الفاعوري: رئيس جامعة اليرموك
قبل أربعين عاماً ونيّف من الآن، صدرت الإرادة الملكية السامية للمغفور له الملك الحسين بن طلال بتأسيس جامعة اليرموك، لتكون ثاني جامعة بعد الجامعة الأم” الجامعة الأردنية” إذ كان يؤمن رحمه الله أن الاستثمار في الإنسان الأردني بما يمتلكه من كفاءات وقدرات خلاقة، هو أعظم مجال يمكن الاستثمار فيه، ومن هنا كان تركيزه منصباً على التعليم كأولوية من أولويات التنمية إذا ما أراد المجتمع أن ينتقل من حالة إلى أُخرى أكثر تطوراً لتزيد على المكتسبات الوطنية، منجزات نوعية جديدة تضاف إلى مسيرة الأردن الرائدة.
ومنذ تلك السنوات التي شهدت بدايات متواضعة، استطاعت الجامعة أن تصنع لها مكانة مرموقة على الخارطة الوطنية، فقامت بكل ما استودعته القيادة الهاشمية فيها من أمل ورجاء، وتمكنت بحمد الله وتوفيقه من إعداد جيل من أبناء وبنات الوطن الذين حملوا على أكفهم رسالة الجامعة ورؤية القائد الباني والملك المعزز عبد الله الثاني ابن الحسين، وأثبتوا في كل موقع عملوا به أو منصب أُسند إليهم، أنهم خير من يحمل الأمانة وخير من يقول لروح الحسين أن اليرموك كما أردت لها، لا يمضي يوم من مسيرتها إلا وتعدُّ للوطن جيلاً مؤمناً بقضايا وطنه وأمته، ومدركاً لرسالة بني هاشم في قيادة هذه الأمة نحو فجر جديد يعيد لها مجدها التليد وتاريخها العتيد.
ونحن نقلب صفحات الذكريات في مسيرة هذه الجامعة التي أضحت مهوى أفئدة الباحثين والدارسين من شتى أرجاء المعمورة لما تم تحقيقه من إنجازات علمية وأدبية نالت رضى المجتمعات العالمية، لا بد وأن نذكر بفخر واعتزاز أساتذة أجلاء، تعاقبوا على إدارة هذه الجامعة والعمل فيها، بكل ما اوتوه من علم نافع، غرسوه في أذهان أبنائنا الطلبة، بمنتهى الأمانة والإخلاص، موقنين بمضامين دورهم الريادي في بناء الوطن وتعليم أبنائه، وجعلهم قادرين على مواجهة التحديات المستقبلية كي يصبح لهم مكاناً منافساً بين زملائهم خريجو الجامعات العربية والعالمية.
مرت السنوات، وكبرت الجامعة، وهي تعي حجم المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، فواصلت ذلك بثقة وعزيمة واقتدار، وكانت كما هي على الدوام ولم تعمل ليوم واحد من تاريخها المشرّف، بمعزل عن مشروعنا الوطني النهضوي، بل كانت على التصاق دائم ومستمر به، وانطلقت في عملها من فهم عميق بأنها جزء من المجتمع وأن عليها أن تفتح ذراعيها لاستقبال أنشطته وفعالياته ولقاءاته ومنتدياته المتنوعة، فكانت على الدوام مكاناً للحراك الثقافي مع جميع مؤسسات الدولة بشقيها العام والخاص، وكانت قاعاتها عبارة عن موائد بحث وعصف ذهني وفكري لكل ما يمكن أن يتقدم على أساسه الوطن بالطريقة ووفق الرؤية التي يريدها قائد الوطن الذي قال أن على الجامعات أن تنتقل برسالتها إلى خارج حدود حرمها لتشمل حرم الأردن كوحدة واحدة، وعليه فإن جامعة اليرموك قد جسّدت مبدأ « الجامعة في خدمة المجتمع” إدراكاً منها أن رسالة الجامعة هي رسالة تعليمية علمية اجتماعية روحية سياسية وحضارية أيضا، وقد تمكنت اليرموك وكان لها فضل كبير في تلمس احتياجات المجتمع البيئية والاجتماعية والاقتصادية وأسندت الجهود المبذولة من قبل الوزارات والمؤسسات الحكومية وذلك بإجراء دراسات مستفيضة وأبحاث علمية متخصصة كان لنتائجها العلمية الأثر الواضح في وضع الحلول المناسبة للعديد من المعيقات والإشكالات التي تعترض سبل التنمية والتحديث.
أربعون عاماً مرّت على إنشاء جامعة اليرموك، لاقت وما زالت تجد من القيادة الهاشمية كل دعم ورعاية حثيثة، ولقد كان لها أن تشرفت باحتضان قائد الوطن جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في أكثر من زيارة كانت له خلالها توجيهات سديدة ورؤية حصيفة اتخذت منها الجامعة عنواناً للمرحلة التي تليها من عمرها المديد، فهو الذي وجّه أن تكون الجامعة والجامعات مركز احترام آراء الغير واحترام النقاش العلمي المبني على العقل والمنطق والمصارحة الصادقة والوطنية المخلصة، ويجب أن تحكم حرية الرأي فيها ضوابط العقل والمسؤولية والعلم اللائق بمستوى الجامعات، وهو الذي قال مخاطباً أبنائه الطلبة من هذا الصرح الشامخ: إن وراؤكم تراثاً عظيماً تستندون إليه وحاضراً واعداً بما وفره وطنكم من العلم والمعرفة، ومستقبلاً مشرقاً لكم ولامتكم، إن انتم استفدتم من هذين المنبعين لاغناء مسيرتكم ومسيرة الأمة معكم، فكونوا أهلا بآمال هذه الأمة فيكم، وكونوا سنداً لهذا الوطن الذي يحتضنكم ويرعاكم.
إن مرور أربعين عاماً على تأسيس جامعة اليرموك التي أتشرف اليوم برئاستها، ليضعنا جميعاً أمام جملة من المسؤوليات الكبيرة التي نجزم بأننا وبما حبا الله هذه الجامعة من أسرة أكاديمية وإدارية تصل ليلها بنهارها، على قدر النهوض بها على خير ما يرام، وبكل فخر واعتزاز فقد تمكنا من انجاز خطتنا الإستراتيجية الشاملة للسنوات القادمة من عمر الجامعة المديد، والتي نسأل الله أن يأخذ بأيدينا على تنفيذها الذي لا نبتغي منه سوى تلبية طموحات الجامعة التي هي بحجم طموحات الوطن وقيادته، وإذ نهنئ أنفسنا بهذه الذكرى العطرة، لنعاهد الله وجلالة الملك عبد الله الثاني، بأن تبقى الجامعة كما أراد لها الهاشميون منارة بحث علمي وإشعاع فكري، ومركزاً للتنوير وصقل المعرفة، وإعداد القادة من أبناء الوطن أصحاب الهمم العالية الذين يقدمون الغالي والنفيس لرؤية وطنهم الأردن يرتقي دوماً إلى الأمام، وختام هذه الكلمة عبارات شكر أزجيها لكل رجل وسيدة من أبناء الأردن الذين عملوا في الجامعة خلال الأربعين سنة الماضية، والذين كان لجهودهم أن وصلت الجامعة لما وصلت إليه من منزلة نرفع بها الرأس عالياً، ونقول لسيد البلاد كما قال الأولون: أن الجامعة تستلهم من رؤاكم رؤيتها وتعمل وتدور في فلك الوطن ولا تغادر محرابه الطاهر أبداً.