جبال وسواحل الأردنيين في مالقة الإسبانية-تاريخ الأندلس
حمزة العكايلة
نحن مدينون للدكتور صلاح جرار وزير الثقافة الأسبق والأستاذ المتخصص في الأدب الأندلسي بالجامعة الأردنية، بتسليطه الضوء على التاريخ الأردني في الأندلس، حيث أفرد في كتابه «مدينة مالقة -أردن الأندلس صفحة مجهولة من تاريخ الأردن» شواهد على التواجد الأردني في مالقة الإسبانية أثناء الفتوحات الإسلامية ولسنوات عديدة ما بعد ذلك.
وددت الإشارة للدكتور جرار، في مستهل الحديث، فوجدت دراسته زاخرة بقدر كبير من المعلومات، قادني إليها البحث حين قرأتُ جزءاً يسيراً عن الوجود الأردني في الأندلس، تناوله المستشرق البريطاني حامل الجنسية الأمريكية اليهودي الأصل برنارد لويس، في كتابه «العرب في التاريخ».
وكتاب لويس على ما فيه من مغالطات وزج للدور اليهودي في كل منجز حضاري طوال سني الحضارة العربية والإسلامية، قادني للبحث عن حقيقة ما أورد، لأجد الدكتور جرار مستفيضاً متوسعاً بذلك.
يقول لويس في الصفحة رقم (144) من كتابه: (استقر جند دمشق في البيرة، وجندة الأردن في مالقة، وجند فلسطين في شذونة، وجند حمص في إشبيلية)، وفي تلك الفترة يقول لويس إن الكثير من الصناعات تطورت على يد العرب ففي مالقة التي سكنها القادمون من الأردن، تم تطوير صناعة الحرير والصوف والخزف.
وفي كتاب تاريخ العرب لفيليب حتي وأدورد جرجي وجبرائيل جبور، يرد في الصفحة (582) أن صقر قريش عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك حفيد عاشر الخلفاء الأمويين ومؤسس الدولة الأموية في الأندلس، «دخل أرخدونة وفيها أهل الأردن، وشذونة وفيها أهل فلسطين، وأشبيلية وفيها أهل حمص.
وهنا يتطابق حديث لويس مع فيليب حتي ورفاقه، ففي حين أن أهل الأردن الذين قال عنهم لويس بأنهم نزلوا في مالقة، يورد فيليب حتي أنهم نزلوا في أرخدونة، وهي عاصمة مدينة (رية) الجبلية ومنها منطقة مالقة.
وبالعودة للدكتور جرار فإنه يوضح بأن جند الأردن واحداً من خمسة أجناد سميت بأجناد الشام وهي: جند الأردن، وفلسطين، ودمشق، وحمص وقنسرين، وكانت عاصمة جند الأردن طبريا، ومن مناطقها اربد وجدارا وطبقة فحل وبيسان وعجلون وجرش واللجون ومؤاب وبعض مناطق الأغوار وجنوب لبنان وشمال فلسطين حتى نابلس، وعكا وصور.
الثابت أنه جرى تسكين الأجناد في مناطق تشبه مناطقهم، فكانت مالقة بسواحلها وجبالها وزراعتها للعنب والتين والزيتون ووجود المياه المعدنية الحارة، تتشابه مع الأردن التي امتدت سواحلها إلى عكا، فتشابهتا بما سلف ذكره من مناخ وزراعة ومياه باطنية حارة.
هي صفحات مجهولة بالفعل من تاريخ الأردن، حيث إن تلة الأردنيين أو جبل أو منطقة الأردنيين كما أصبح الأندلسيون ينادونها، دفعت أحد الأصدقاء ليسألني حين وجدني منهكماً بالقراءة، هل يمكن أن يكون لنا جذور في مالقة، وهل يمكن أن أجد ألفونسو طفيلياً أو ألميدا من اربد، ثم دار الحديث على هذا النحو ليقرر صديقي منذ الآن تشجيع نادي مالقة، على حساب قطبي الدوري الإسباني برشلونة وريال مدريد.
وعلى وجاهة مشاعر صديقي، فلربما نستطيع الذهاب إلى ما أبعد من ذلك، فلا يوجد ما يمنع من تؤأمة بين أي مدينة أردنية مع مالقة الإسبانية، وتبني وزارة الثقافة إلى حركة ترجمة واسعة توثق الأدب المشترك، والدفع بمسارات لحركة استثمار أردني_إسباني، فالتاريخ والمواقف المشتركة بين البلدين تدفعنا إلى تنمية العلاقات، مستذكرين هنا العلاقة القوية بين الراحل الملك الحسين والملك اخوان كارولوس، وهي تسير على ذات النسق بين الملك عبد الله والملك فيليب السادس، ولنتذكر فقط أن اسبانيا كانت من أواخر الدول الأوروبية التي اعترفت بدولة الاحتلال الإسرائيلي وذلك في العام 1986، كما أنها كانت من بيد الدول المصوتة مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدعو واشنطن إلى سحب قرارها الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.