د. منيرة جرادات
إنتخبَ الجسمُ الطلابي في الجامعة الأردنية يوم الثلاثاء الماضي مُمثليه في مجلس إتحاد الطلبة بعد انتخابات اعترف الجميع بنزاهتها وشفافيتها. وهذه الإنتخابات التي شهدت منافسة محمومة شارك فيها (52.52 %) من الذين يحق لهم الاقتراع والبالغ عددهم(48,286) طالبا وطالبة من أصل عدد الطلبة المسجلين في الجامعة الأردنية (51,416). لقد بلغ عدد الطلبة المترشحين لهذه الإنتخابات على مستوى الجامعة (685) طالبا وطالبة، كان من بينهم (416) طالبا و(269) طالبة. من هؤلاء، ترشح (92) على مستوى الجامعة (القائمة العامة) و(593) اختاروا الترشح على مستوى الكليات الجامعية (القوائم الفرعية). وفي قراءة أوليّة لنتائج هذه الإنتخابات، فإنه يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
أولاً: استقطبت هذه الانتخابات على اهتمام وطني واضح وذلك على اعتبار أنها جاءت بعد انقطاع دام لحوالي خمس سنوات بسبب جائحة كورونا وأنه يُنظر لها كمناورة بالذخيرة الحية التي تسبق معركة الإنتخابات البرلمانية في شهر أيلول القادم. ومما أكسب هذه الإنتخابات أهمية خاصة أنها جاءت بعد صدور قانوني الإنتخاب والأحزاب لعام 2022، وبالتالي فإن نظام الإنتخاب الذي قامت عليه هذه الإنتخابات يُحاكي (مع فوراق ضئيلة) قانون الإنتخاب الذي ستُجرى على أساسه الإنتخابات البرلمانية لعام 2024. لهذا، فإن العديد من القوى السياسية والحزبية تجد في هذه الإنتخابات فرصة ثمينة لتقييم مدى قوتها و تأثيرها في الشارع الأردني الذي يُعدّ الجسم الطلابي شريحة ممثلة له. بالتأكيد فإن هذه القوى سوف تستخلص الكثيرمن الدروس والعبرمن هذه الإنتخابات.
ثانياً: إن نسبة المشاركة في هذه الإنتخابات وهي (52.52 %) كانت بصورة عامة مقبولة. لكن هذه النسبة تُعتبر جيدة إذا ما قُورِنت بالإنتخابات السابقة لمجلس إتحاد الطلبة في الجامعة الأردنية التي أُجريت في عام 2019 والتي كانت نسبة المشاركة فيها (45%) فقط. وتُعتبرهذه النسبة جيدة جدا إذا ما قُورِنت بنسبة المشاركة بالإنتخابات البرلمانية لعام 2020 والتي لم تصل النسبة فيها إلى (30%). وبالتالي فإنه يمكن النظر إلى نسبة المشاركة في إنتخابات الجامعة الأردنية لعام 2024 على أنها مؤشرإيجابي لحراك شبابي نشط يمكن البناء عليه وإستثماره في الإنتخابات البرلمانية القادمة، التي من المأمول أن تُشكّل نقلة نوعيّة مُتميّزة في الحياة السياسية الأردنية.
ثالثاً: إن القراءة الأوليّة لنتائج هذه الإنتخابات تُشير إلى أنه لم يستطع أي تيار سياسي الحصول على الأغلبية المُريحة التي تؤهله لحسم مقاعد رئيس وأعضاء الهيئة الإدارية لمجلس إتحاد الطلبة في الجامعة. صحيح أن حزب جبهة العمل الإسلامي حقق نتائج إيجابية في هذه الإنتخابات بحصوله على حوالي (35%) من مجموع مقاعد مجلس إتحاد الطلبة، إلا أن هناك أحزاب أخرى مثل حزب إرادة الذي حصل على حوالي(30%) من هذه المقاعد. وهنا، فإنه يمكن الإشارة الى أن نصف الطلبة الذين اختاروا أن يبقوا جالسين على مقاعد المتفرجين ( 47.48 %) كان يمكن لهم في حال مشاركة (10%) منهم أن يغيروا بصورة جذرية نتائج هذه الانتخابات، وذلك لأن نسبة التزام ومشاركة بعض الأحزاب وخاصةً حزب جبهة العمل الإسلامي تكون في العادة عالية جدا مقارنة بنسبة التزام ومشاركة الأحزاب الأخرى. وهنا، فإن من المعروف تقليدياً وفي ضوء تجارب الإنتخابات الطلابية السابقة، أنه كلما إزدادت نسبة المشاركة في الإنتخابات، كلما كانت النتائج عاكسة بصورة أفضل للوزن الحقيقي للقوى السياسية المتنافسة. ولهذا، فإنه وبعد إنتهاء الجانب الأهم من هذه المعركة الإنتخابية، فإن الجانب الآخرمن المعركة سيكون بعد أيام قليلة لإفراز رئيس وأعضاء الهيئة الإدارية الذين سيتولون المهام التنفيذية للإتحاد.
رابعاً: من أهم الظواهرالتي يمكن تسليط الضوء عليها في هذه الانتخابات ودراستها بعمق وتحليل أبعادها هي النتائج غيرالمُرضية المُتعلقة بمحدودية عدد المقاعد التي حصلت عليها الطالبات في هذه الإنتخابات. لكن، وقبل توضيح ذلك، فإنه لا بُدّ من الإشارة الى أنه ومن منظورالنوع الاجتماعي فإن عدد المترشحات من بين طلبة الجامعة كان مقبولا بل جيدا، حيث ترشحت (269) طالبة من أصل مجموع المترشحين والمترشحات (685)، أي أن نسبة المترشحات بلغت حوالي (40%). وهذه النسبة تعكس أن هناك رغبة واضحة وإرادة حقيقية لدى عدد لا بأس به من طالبات الجامعة لخوض غمارهذه الإنتخابات. لكن النتائج كانت مخيبة للأمال، حيث لم تنجح أي طالبة على مستوى القائمة العامة في الجامعة وأن الناجحين كان جميعهم من الطلاب الذكور(20) بما في ذلك طلبة فرع الجامعة الأردنية في العقبة. أما بالنسبة للنتائج على مستوى الكليات، فقد فازت الطالبات ب(14) مقعداً فقط من أصل (134) مقعداً من مقاعد مجلس الطلبة في الجامعة وفرعها في العقبة، أي بنسبة (10.4%). وبقراءة من منظور إحصائي آخر، فإنه من بين عدد المترشحات البالغ (269) نجح فقط (14) مترشحة أي ما نسبتة (5.2%). ومن الظواهرالمُلفتة للإنتباه أن الطالبات لم يفُزنّ بأي مقعد من المقاعد المخصصة ل(14) كلية من كليات الجامعة وفرعها في العقبة من أصل (25) كلية. وهذه النتائج المخيبة للأمال والمتعلقة بمحدودية عدد الفائزات من الطالبات بالنسبة لمجموع الفائزين تصبح أكثر خطورة عندما نأخذ بعين الاعتبارأن نسبة (64.24%) من الذين يحق لهم الاقتراع هي من الطالبات، بينما يُشكلّ الطلاب ما نسبته (35.76%) فقط. إن هذه النتائج لا تتفق البتة مع الجهود الوطنية والتشريعية المبذولة لتمكين المرأة ولا تتناسب مع الدورالمأمول والمتوقع منها. لذلك فإن على مراكز البحث وخاصة مركز دراسات المرأة أو مركزالدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أوغيرها من المراكز والمؤسسات الأخرى خاصةً تلك المعنية بتمكين المرأة أن تأخذ هذه النتائج على محمل الجد وتُحللّها بعمق لمعرفة الأسباب وراء تدني عدد المقاعد التي حصلت عليها طالبات الجامعة الأردنية بصورة لا تتناسب مُطلقاً مع حقيقة أن الطالبات يُشكلنّ ثلثي عدد الذين يحق لهم الإقتراع في هذه الإنتخابات. فهل هذه النتائج غيرالمتوقعة تعود إلى أن الطالبة تثق أكثر بزميلها الطالب لتمثيلها في مجلس الإتحاد؟ أم أن السبب يعود الى أن الطالبة تحجم عن التصويت لزميلتها الطالبة لعدم ثقتها بها؟ إن هذه الأسئلة وآخرى غيرها ستبقى برسم الإجابة لحين إجراء دراسات تحليلية مُعمّقة لتفسيرهذه الظواهر.