جرادات تكتب: التنافس بين الأحزاب الأردنية .. نحو إصدار ميثاق شرف جديد
د. منيرة جرادات
بعد أن صدرت الإرادة الملكية السامية بإجراء الانتخابات النيابية وفق أحكام القانون، تستعد الأحزاب وبوتيرة متسارعة لخوض غمارهذه الانتخابات. وتبعاً لذلك، فإنه من الطبيعي أن تشتدّ مع الوقت حدّة المُنافسة بين هذه الأحزاب لإيصال أكبرعدد ممكن من مُنتسبيها إلى قبة البرلمان. والحقيقة أنّ التنافس بين الأحزاب ليس حقا مشروعا فقط بل هو ضرورة وطنية لتحسين جودة المُنتج الحزبي وتمكين المواطنين من معرفة نوعية هذه الأحزاب وخصوصيتها للقيام بالإختيارالواعي والمسؤول بين هذه الاحزاب. لهذا فإن التنافس السياسي بين الأحزاب يُمثّل جزءاً رئيساً في العملية الديمقراطية ومُحركاً لها ومُوجهاً لصيرورتها.
في هذه المرحلة من عُمر الدولة، فإن الوطن وقيادته الهاشمية وأهله يُراهنون على الأحزاب الأردنية الجديدة التي إنبثقت من رحم هذا الوطن وخصوصيته وجاءت كولادة طبيعية لمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، ويأملون كذلك أن تكون هذه الأحزاب المُعّول الرئيس من معاول الإصلاح المنشود، ومن المتوقع من هذه الأحزاب أن تقدم نماذج وطنية مختلفة عن تلك النماذج التي قدمتها الأحزاب الأردنية في المئوية الأولى من عمر الدولة الأردنية، تلك الأحزاب التي لم تكن مرجعياتها وطنية خالصة، الأمر الذي أدى إلى خلق فجوة كبيرة بينها وبين الغالبية من أبناء هذا الوطن.
فعلى إعتبار أن الأحزاب الأردنية تُشّكل جزءاً حيوياً من النظام السياسي، فإنها مُطالبة وأكثر من أي وقت مضى بتقديم نماذج تُحتذى في الوطنيّة والمسؤوليّة والشفافيّة والحاكميّة. وعلى أساس هذه النماذج فإنه من حقها أن تتنافس بشتى الوسائل المشروعة لكسب ودّ وثقة أكبرعدد ممكن من أبناء هذا الوطن للإنضمام إليها ومؤازرتها في الانتخابات النيابية القادمة. لكن وحتى يكون هذا التنافس مشروعاً، فلا بُدّ أن يكون عنوانه التنافس الشريف والعادل وفقا للقواعد والضوابط القانونية والأخلاقية وبما يتماشى مع ثوابت الدولة الأردنية ومتطلبات النظام العام. لهذا، فإن الأحزاب مُطالبه بتوخي أقصى درجات الحذر والحيطة وأعلى درجات الالتزام بالشفافية والنزاهة في كل ما يصدرعنها في وسائل الإعلام المختلفة أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
خلال الأيام القليلة الماضية، بدأنا نشهد حالة من التنافس بين بعض الأحزاب بطريقة تستدعي التوقف عندها واستخلاص العبر منها. فعلى سبيل المثال، قام أحد الأحزاب بالإعلان عن فوزعدد من مُنتسبيه بغالبية مقاعد رئاسة مجالس المحافظات في المملكة، إضافة إلى فوزعدد اخر من منتسبيه بمواقع نائب الرئيس في هذه المجالس، حيث قام الحزب بنشر أسماء هؤلاء الفائزين والمواقع التي فازوا بها. لكن، يبدو أن هذا الإعلان لم يَرُقْ لبعض منتسبي أو مؤازريّ بعض الأحزاب الأخرى الذين بدأوا التشكيك به وتأويلهِ خارج سياقة الموضوعي. وهناك مثال آخرتناقلته بعض وسائل الإعلام وبعض مواقع التواصل الاجتماعي يتعلق بقيام أحد الأحزاب بالإعلان عن فوز منتسبيه بغالبية مقاعد اتحاد الطلبة في إحدى الجامعات الأردنية الرسمية، الأمر الذي آثار حفيظة المعنيين من منتسبي بعض الأحزاب الأخرى في هذه الجامعة الذين أصدروا بيانا يُفنّدون فيه حقيقة ما حصل ويؤكدون أنهم هم من فازوا بأغلبية هذه المقاعد وليس منتسبي الحزب الاخر. إن هذه الأمثلة وإن كانت في نظر البعض هامشية وغير ذات قيمة، إلا أنها تستدعي من الأحزاب وقادتها التوقف عندها وإمعان النظر فيها، خاصةً وأنّ الوطن وقيادته وشبابه يترقبون بإهتمام وينتظرون بشوق الدورالذي ستلعبه الأحزاب الأردنية في تدشين مرحلة سياسية جديدة مع بداية المئوية الثانية من عُمر الدولة الأردنية.
وفي ضوء حقيقة أن تجربتنا الحزبية اليوم لا تزال في بداية عهدها، فإن الأحزاب الأردنية الجديدة مُطالبة
بإصدار ميثاق شرف جديد غير ذلك الذي أصدرته بعض الأحزاب الأردنية في عام 2013، هذا الميثاق الذي لم تكن معظم أحزاب اليوم طرفاَ فيه أوالمُصادقة عليه. ويمكن لهذا الميثاق الجديد أن يستفيد من ميثاق عام 2013 و يطوّرعليه في ضوء المستجدات والتحولات التي نعيشها اليوم. والمأمول أن يعمل هذا الميثاق الجديد على تنظيم العلاقة بين الأحزاب وضبط مبادئ وقواعد التنافس فيما بينها. وعلى هذا الميثاق أن يستند الى الدستورالأردني وثوابت الدولة، وأن يؤكد على مبادئ الاحترام المُتبادل بين الأحزاب ومبادئ النزاهة والشفافية والحوارالمسؤول الذي يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. إن الالتزام بمُنطلقات ومبادئ هذا الميثاق يُسهم في جعل ظاهرة التنافس بين الأحزاب حالة صحية ومسؤولة وبنّاءة تُعزّزّ قيم الديمقراطية والعدالة السياسية وتُرسّخ القيم الإيجابية في المجتمع.
وختاماً فإنني أُهيب بالأمناء العامين للأحزاب الأردنية الجديدة الذين يُشهد لهم بالوطنية والتأهيل والحرص على إنجاح تجربتنا الحزبية الجديدة أن يتنادوا (وهم قادرون على ذلك) بوضع مسوّدة لميثاق الشرف الجديد من أجل مناقشتها وإصدارالميثاق حسب الأصول، بحيث يكون مُلزماً أخلاقيّاً لجميع الأحزاب ومُحدداً لطبيعة العلاقة بينها. وأن يكون في الوقت ذاته ضابطاً لكل ما يصدرعن هذه الأحزاب ومُركزّا على مبادئ وأخلاقيات التنافس الايجابي الشريف والعادل. ولحين صدورهذا الميثاق الجديد، نأمل من أحزابنا الجديدة أن تكون بمستوى طُموح قيادتنا الهاشمية وبمستوى الأمال المعقودة عليها في تعزيز مسيرة الإصلاح