جمال حديثة الخريشا..روايات مفقودة
كتب :سمير الحياري
مقصرون في توثيق الشهادات والقصص والروايات الموجودة بين ظهرانينا .. فنستمتع للاستماع لها ونطرب ولا نسجلها للاجيال والتاريخ ..
قيض لي ان اتشرف بزيارة الشيخ البارز النابه النائب والوزير الاسبق جمال حديثة الخريشة برفقة صديقي مصطفى الحمارنة وامجد آل خطاب في دارته العامرة بالموقر الواقعة على قرابة خمسمائة دونم من اراضي البادية الوسطى (ارث والده) التي تمتد من اخر نقطة ملك فردي الى حدود السعودية التي تمتلكها الدولة الاردنية بحضور ولدي الشيخ الصخري الصديقين النائب والوزير السابق حديثة والدكتور محمد الخريشة..
عنوان الجلسة الممتدة لساعات كان حرب حزيران وضياع الضفة المحتلة ودور الجيش الاردني الضائع بين الروايات الخبيثة في “النصر” والشهادة والتضحية..
لا تمل وانت تستمع لشيخ حاضر البديهة واع لكل مشهد من مشاهد الفداء فحينما يحدثك عن طائرات العدو التي تقصف دبابات جيشنا وجنودنا في ارض المعركة ويروي لك تفاصيل تنقل الوحدات العسكرية بين الجبال والشوارع فكأنك امام فيلم سينمائي تعيش احداثه اولا بأول.. وبين فصول المعركة يحدثك الراوي الشاهد على الفداء والهزيمة بمرارة عن قلة الفزعة العربية وضآلة العتاد والسلاح وخيانة بعض العرب الذين تركوا جيشنا وحيدا في معركته الشرسة مع اسراب من طائرات مقاتلة في السماء تقتص منهم واحدا تلو الاخر وصوت العرب الاذاعة تدوي كذبًا عن انتصارات وهمية لجيوشها..
ابا حديثة حينما يحدثك يروي لك تفاصيل التفاصيل بالساعة واليوم والحدث والشخوص فهو ضابط استخبارات معتق مهني من الطراز الرفيع وبدوي مر لاتفوته شاردة الا واوردها عن معارك الجيش الذي قدم صورة الاخلاص في كل حركة من حركاته بما في ذلك قصص المساعدات الشعبية من السكان للجيش الذي كان قوامه مايزيد عن 70% من الاردنيين من فلسطينيي الاصل.. والحديث عن التوجيهات والاوامر العسكرية والاتصالات مع القيادة ومتابعتها اولا بأول الى حالة الغيبوبة التي اصابت جيوش المساعدة وكيف ورطنا العرب بمعركة كانت معروفة نتائجها منذ اللحظة الاولى رغم تحذيرات الراحل الحسين ..
ذاكرة الشيخ مليئة بالفصول من تخييم الملك المؤسس عبدالله في دارة والده بالموقر لمرات ولاسابيع الى علاقته الحميمة بالمرحوم محمد داوود الى معركة الكرامة التي يرى انها اعادت بالفعل للأمة كرامتها وكيف كان الشريف (الامير بعد ذلك) زيد بن شاكر معهم ويرفض الاختباء في الخنادق وطائرات العدو تقصف المكان..
في ذاكرته ايضا عن والده الذي رأس مؤتمر الحفار والدفان ثم كيف دخل هو السلك العسكري مطلع الخمسينيات وتدرج حتى بات مرجعا امنيا واستخباريًا مهما خدم في سلطنة عمان والمملكة السعودية وقدم خدمات جلى لجيوشها.. وكيف كانت علاقة والده بشكري القوتلي واقامته بالموقر ومسيرته نحو منفاه في السعودية على ظهور الابل..اضافة لعلاقة والده بامين الغول وامين الحسيني وسلطان الاطرش ..
وعلاقته الشخصية بالراحل الحسين وكيف استأذنه وهو عضو في مجلس الاعيان ان يقبل استقالته ليترشح للانتخابات النيابية عام 1989 وسؤال الملك له: هل انت مستعد ومتيقن من الفوز حتى طمأنه وبارك خطوته ثم كان دوره بقوننة فلس الريف لكهربة القرى والارياف والبوادي حيث انه صاحب الفكرة النبيلة قبل ان تمسخها حكومات وتنقل مواردها الى غير مكان ..
ابا حديثة سرد حكايات نيابته وتعيينه عينًا ثم وزير دولة لاكثر من مرة وزعامته ووالده وعلاقته باقاربه من بني صخر والناس من حوله وعلاقته بالملك عبدالله الثاني .. لكن فصول حرب حزيران باليوم والساعة تظل الاقرب له والاكثر حزنا ومرارة حتى ان عينيه فاضتا دمعًا حينما كان يستذكر قصة تلو اخرى عن ملاحم الجيش والشهادة من اجل فلسطين..