إنجاز-يواجه العالم العربي حالياً صراعات وأزمات إقليمية عدة، الأمر الذي يتطلب استكشافًا عميقًا لتطبيق أفضل لقرار 1325، والإسهام في عملية تعلم إقليمية تسهم في توجيه السياسات المتعلقة بأمن المرأة وسلامتها وتعزز محليتها.
ومن هذا المنطلق، وللبحث في الأسئلة الأساسية التي تُشكل خطاب المرأة والأمن والسلام في المنطقة العربية وتفعيل أجندتها بنهج جديد محلياً، عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) بتمويل مشترك من هيئة الأمم المتحدة للمرأة في الأردن وضمن منحة Build لمؤسسة فورد، يومي الأحد والإثنين 10-11 كانون الأول/ ديسمبر 2023 مؤتمراً دولياً بعنوان: “نحو نهج جديد لأجندة المرأة والأمن والسلام في العالم العربي” بحضور ممثلين عن المجتمع المدني الوطني والإقليمي والدولي، بالإضافة إلى مرتبات الأمن العالم وممثلي القطاعات الحكومية.
وتناول المؤتمر الذي اشتمل على جلسات نقاشية وحوارات مفتوحة عديدة، أهم القضايا والدروس المستفادة من تجارب المنطقة في تطبيق الخطط الوطنية لأجندة المرأة والأمن والسلام، ومدى تمثيلها للنساء، ودورهن في التماسك المجتمعي، والتحديات التي تواجه تفعيل محلية القرار، والقدرات اللازمة للاستجابة للأزمات القادمة وتحديات المناخ.
وقالت المديرة التنفيذية للنهضة العربية (أرض)، سمر محارب، “يشكل المؤتمر منصة للحوار وتبادل المعرفة والجهود للنهوض بأجندة المرأة والأمن والسلام في العالم العربي، بوصفها إطاراً استراتيجياً للاستجابة للصراعات والأزمات التي طال أمدها، والتحولات العربية”، معتبرة أن “هذه الأجندة رغم أنها لم تشفع للنساء في الدول التي تشهد حروب وكوارث، إلا أنها مهمة في وقف الأزمات والنزاعات، ويجب العمل عليها بجدية كبيرة بالتنسيق مع الجهات كافة محلياً وعربياً وعالمياً”.
بدورها؛ أوضحت الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، معالي المهندسة مها علي، إن من أبرز الإنجازات التي تم تحقيقها خلال تنفيذ الخطة الأولى لتفعيل القرار، هي تطوير استراتيجيتين لإدماج النوع الاجتماعي في مديرية الأمن العام والجيش العربي وزيادة تمثيل النساء في هاتين المؤسستين، ورفع نسبة النساء في المراكز القيادية في الجيش العربي بالإضافة إلى رفع نسبة مشاركة النساء في بعثات حفظ السلام، ويأتي ذلك لتحقيق أهداف الخطة المتعلقة بزيادة المشاركة الفاعلة للمرأة في القطاعات الأمنية والعسكرية.
ودعت العلي إلى حماية المرأة في الحروب والنزاعات، حيث قالت “نتوقف أمام القرار رقم 1325 والذي أصبح بحاجة إلى نهج جديد وتوفير الحماية للنساء خلال الحروب والأزمات وخاصة في ضوء ما نشهده من انتهاكات وجرائم حرب بحق نساء وأطفال غزة”.
وناقشت الجلسة التمهيدية التي أدارتها المستشارة الرئيسية لبرامج المرأة والشباب في مركز النهضة، منظمة النهضة (أرض)، د. سناء الجلاصي، القدرات التي تُساهم في تعزيز محلية أجندة المرأة والأمن والسلام. فيما أشارت إليونورا بانفي، مديرة معهد النهضة لدراسات المرأة في منظمة النهضة (أرض) إلى دور المنظمة في تعزيز محلية قرار 1325 منذ عام 2012، وجهودها من خلال تأسيس التحالف الوطني للمنظمات غير الحكومية في الأردن (جوناف) والعمل على تطوير قدرات منظمات المجتمع المدني المحلية لتعزيز استجابتها لاحتياجات المجتمع واستدامة جهودها التنموية والإغاثية.
بينما بحثت الجلسة الأولى التي أدارتها مديرة البرامج في منظمة النهضة (أرض)، زينب الخليل، المحاور الأساسية التي يفترض على أجندة أعمال المرأة والأمن والسلام في المنطقة العربية تبنيها، حيث أكد المتحدثون ومنهم مديرة مؤسسة تمكين المرأة في العراق، سوزان عارف، على ضرورة إيلاء الاهتمام بقضايا المرأة بشكل تكاملي، وأهمية توفير الدول ميزانيات مناسبة لـ”صنع السلام”، إضافة إلى سن التشريعات اللازمة والداعمة لتفعيل قرار 1325 على جميع المستويات المحلية، مطالبة عارف أن يكون الاهتمام بقضايا المرأة بشكل دوري وتكاملي وأن لا يقتصر على مناسبات معينة، وأيضاً تنفيذ برامج ومشاريع تتناسب مع احتياجات كل مجتمع.
من جانبها شددت مديرة معهد غرب آسيا وشمال أفريقيا في الأردن، د. يارا شعبان، على أهمية إجراء البحوث لتبيان احتياجات النساء الفعلية وقياس مشاركتهم بمؤشرات سليمة، ما يُسهم في التفعيل الصحيح لأجندة المرأة والأمن والسلام، مؤكدة ضرورة التركيز على مفهوم السلم المجتمعي لتحقيق النتائج المطلوبة على المستويين القريب والبعيد.
فيما بحثت الجلسة الثانية، والتي أدارتها وصال عبد الله من جمعية النساء العربيات، الخطوات المستقبلية لتعزيز محلية أجندة المرأة والأمن والسلام في العالم العربي. إذ بينت مديرة مشروع أصوات نساء في تونس، أميمة عمارة، أن هنالك تجارب إيجابية شهدتها العديد من الدول فيما يتعلق بالخطط الوطنية لقرار 1325، مستشهدة بالقوانين التونسية التي جاءت لإيصال أصوات النساء في العديد من القضايا.
من جهتها، بينت مسؤولة البرامج لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الشبكة العالمية للنساء صانعات السلام GNWP، سناء البناوي، أن حجر الزاوية لنجاح محلية قرار 1325 هو العمل على خطط وطنية تُناسب المجتمعات العربية، وتوفير الدعم، والتشاركية بين القطاعات لوضع الخطط القابلة للتنفيذ بما يراعي خصائص كل دولة والمميزات التي تنفرد بها والتحديات التي تواجهها.
أما الجلسة الثالثة، والتي طرحت محور جاهزية العالم العربي للأزمة المقبلة ومن ضمنها أزمات المناخ، وفيها اعتبرت الرئيسية التنفيذية لمؤسسة سلام لمجتمعات مستدامة – PASS – في اليمن، آثار علي محمد، أن المجتمعات العربية لا تزال بعيدة عن تطبيق قرار 1325 بالشكل الفعال، لذلك تبرز هنا جهود المنظمات للعمل الجماعي في هذا الشأن، لافتة إلى أن الاستقرار السياسي في أي بلد يساهم في تفعيل القرار.
وأكدت مديرة جمعية دبين للتنمية البيئية، هلا مراد، على أهمية التخصصية للقطاعات التي سيتم العمل عليها ضمن ملف البيئة وقرار 1325، مبينة أن تحديات أزمات المناخ أصبحت واقعاً يلامس النساء والمجتمعات، ويهدد أمنها، وبالتالي، يجب إشراك النساء بشكل أكبر في القضايا البيئية ومراكز صنع القرار.
في حين ركزت الجلسة الرابعة التي أدارتها ضابط مشروع وحدة المرأة والسلام والأمن في هيئة الأمم المتحدة للمرأة في الأردن، عنود المجالي، على دور المجتمع المدني والمنظمات التي تقودها المرأة في التماسك المجتمعي ومساهمتها في تفعيل أجندة المرأة والأمن والسلام، فضلاً عن مناقشة التحديات التي تواجها منظمات المجتمع المدني في هذا السياق، وذلك ضمن دعم صندوق الدعم المشترك للخطة الوطنية الأردنية الثانية لتفعيل قرار مجلس الأمن 1325.
وبحسب المتحدثين، فإن هناك مواضيع مجتمعية تستدعي العمل الجماعي، ومنها قضايا البطالة، والعنف المجتمعي، وغيرها، مشيرين إلى أهمية إشراك أكبر عدد من فئات المجتمع في البرامج التدريبية وورشات العمل لضمان تحقيق المنفعة العامة. وهو ما طالب به مدير مركز القنطرة لتنمية الموارد البشرية في محافظة معان الأردنية، راكان الرواد، بضرورة إشراك الذكور في برامج متخصصة لتمكين السيدات في مختلف القطاعات.
أما د. حنان خريسات من الاتحاد النسائي في الطفيلة، فاعتبرت أن المجتمع المدني عليه أن يبني على التجارب السابقة، ويستفيد من الخبرات المتنوعة. وتحدث النقيب محمد اربيحات من مركز السلم المجتمعي الأردني، عن إنشاء المركز عام 2015، بإشراف مباشر من مديرية الأمن العام لمواكبة التطورات التقنية والتكنولوجية في ظل التطور الهائل للمنصات الرقمية. فيما ركزت عبلة الحجايا المراغية من جمعية الحسا الخيرية الأردنية، على دور المنظمات المحلية في نشر الوعي عن مفهوم السلم المجتمعي، وتعزيز محلية قرار 1325.
وبالتأكيد على المضي قدماً نحو نهج جديد لأجندة المرأة والأمن والسلام في العالم العربي، اختتم المتحدثون في المؤتمر نقاشاتهم وطروحاتهم التي استمرت ليومين، بالإشارة إلى أهمية وجود الإرادة السياسية لتفعيل قرار 1325 على المستوى المحلي والوطني والإقليمي. وأكدوا على أهمية تحقيق فهم أفضل للتغير الجيواستراتيجي، والمساهمة في بناء نموذج اقتصادي جديد يستجيب لاحتياجات الفئات الأكثر ضعفًا واحتياجات النساء والفتيات، بما في ذلك دراسة التأثير المُحدد لتغير المناخ على النساء والمجتمعات المحلية، وتحديد القضايا والثغرات ضمن أُطر المساءلة المتعلقة بالمرأة والأمن والسلام، والمرتبطة بالتغير المناخي، وجميع الاستراتيجيات والخطط الأخرى الواجب تطويرها لتشمل الآليات الموجودة في الهياكل المركزية واللامركزية منها.
وطالب المشاركون بالبحث في المفاهيم والأطر الحالية ومدى تكيف خطة عمل المرأة والأمن والسلام مع سياق المجتمعات سواء في أوقات السلم أو خلال الأزمات، إضافة إلى تحديد القضايا الأكثر أهمية في وقتنا الحالي، وبناء الأدلة التي من شأنها أن تدعم تحديد خطوط أفضل للأنشطة التي تندرج ضمن إطار الركائز الأربع لأجندة المرأة والأمن والسلام، في حال لزم الأمر تغييرها لتشمل (الأمن البشري، والتهديدات الجديدة الناشئة، والتماسك الاجتماعي، والتغير المناخي، وغيرها).
كما تم التشديد على أهمية تمثيل أصوات النساء من كافة الشرائح ومشاركتهن بشكل فعال في تطوير خطة العمل الوطنية وأجندة المرأة والأمن والسلام، إضافة إلى بناء شراكات وعلاقات فعالة ومستدامة بين العديد من الجهات الفاعلة ذات العلاقة بمحاور المؤتمر، وتظافر جهود القطاعات لبناء قدرات منظمات المجتمع المحلي، وضمان مستوى التمويل واستمراريته الذي يضمن استدامة عمل هذه المنظمات من خلال مشاركة النساء والفئات ذات العلاقة في جميع المراحل الخاصة بتطبيق قرار 1325 من خلال الصياغة، التخطيط والتنفيذ والتقييم من أجل تفعيله واستدامة أثره في المجتمعات.