د. وليد عبد الحي يرسم خارطة الطريق التي تنتظر مستقبل ترامب
انجاز- رسم أستاذ العلوم السياسيّة الدكتور وليد عبد الحي ملامح المرحلة المستقبليّة لحكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإنعكاساتها على منطقة الشرق الأوسط.
وقال الأستاذ الدكتور عبد الحي في محاضرة له عقدها معهد الشرق الأوسط للإعلام والدراسات السياسية لمناقشة السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط خلال فترتي حكم دونالد ترامب وتأثيرها على المنطقة، أنّ السياسة الأمريكية لا تتغير جذريًا بتغير الرئيس، بل تحكمها المؤسسات العميقة التي تضمن استقرار التوجهات الأمريكية على الصعيدين الداخلي والخارجي، مشيرًا إلى أن الفارق بين الجمهوريين والديمقراطيين في القرارات الاستراتيجية يكاد يكون معدومًا، وهو ما تؤكده الإحصاءات التاريخية بشأن الحروب، التحالفات، والعلاقات الدولية.
وأوضح الدكتور عبد الحي أن تغيير الرؤساء في الولايات المتحدة لا يؤدي بالضرورة إلى تغييرات جذرية في السياسة الخارجية، مشيرًا إلى أن البيانات التاريخية منذ عام 1875 تظهر استقرارًا في النهج السياسي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، سواء في قرارات الحرب، دعم إسرائيل، أو فرض العقوبات الاقتصادية
كما تطرقت الندوة إلى دور اللوبيات المؤثرة في السياسة الأمريكية، موضحًا أن مصلحة الولايات المتحدة تتلاقى مع مصلحة اللوبي الصهيوني، حيث يسعى كلاهما لضمان عدم توحيد المنطقة العربية.
ورغم أن اليهود يشكلون نسبة ضئيلة من الناخبين الأمريكيين (أقل من 2%)، إلا أن تأثيرهم يتعاظم عبر تواجدهم في المؤسسات السياسية والإعلامية والاقتصادية، مما يمنحهم نفوذًا يفوق وزنهم العددي.
تناول الدكتور عبد الحي أيضًا شخصية ترامب، مستندًا إلى دراسة أعدها 35 بروفيسورًا أمريكيًا في علم النفس، واصفين إياه بأنه شخص غير متوقع التصرفات (Unpredictable)، مما يزيد من احتمالات تعرضه للعزل أو الاغتيال، وفقًا للإحصائيات التاريخية لمحاولات اغتيال الرؤساء الأمريكيين.
كما أشار إلى ارتباطاته السابقة مع روسيا، والتي كانت محور تحقيقات موسعة داخل الولايات المتحدة.
فيما يخص الشرق الأوسط، أوضح الدكتور عبد الحي أن المنطقة تعاني من الهشاشة السياسية، حيث تحتل الدول العربية مراكز متأخرة عالميًا في الاستقرار السياسي ومعدلات الفساد، مما يجعلها ساحة سهلة للتدخلات الأجنبية.
كما لفت إلى أن الإنفاق العسكري العربي مرتفع جدًا، حيث تفوق ميزانية الدفاع السعودية وحدها ميزانيات تركيا، إيران، إسرائيل، مصر، والجزائر مجتمعين، وهو ما يعكس غياب الرشد السياسي في اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
كما أشار إلى أن الولايات المتحدة تتعامل مع المنطقة بمنطق الفرصة الاستثمارية، وليس وفقًا لمعايير حقوق الإنسان أو دعم الاستقرار، مستدلًا بتصريحات ترامب حول غزة، التي اعتبرها غير صالحة للسكن دون الإشارة إلى أن إسرائيل هي من دمرتها.
الندوة شهدت تفاعلًا واسعًا من الحضور، حيث طُرحت تساؤلات حول كيفية صعود ترامب للسلطة رغم شخصيته غير المتزنة، وعن العلاقة بين القمم العربية المتعددة والأجندات السياسية الإقليمية، إضافة إلى دور الإعلام في تشكيل صورة القادة السياسيين في الغرب.
وفي ختام الندوة، أكد الدكتور عبد الحي أن الولايات المتحدة لا تحكمها العواطف أو الولاءات، بل تحكمها المصالح والاستراتيجيات طويلة المدى، وأن أي رهانات على تغير السياسات الأمريكية بتغير الرئيس هي رهانات غير واقعية.
وتاليا نص المحاضرة :
السياسة الخارجية الامريكية بين الفرد والمؤسسة في فترة ترامب :-
أ- -تحديد المنهج
ب- – شخصية الرئيس
ج- – السياسات الخارجية: على المستوى الدولي/ والمستوى الاقليمي/ ثم مصفوفة التاثير المتبادل بين ثلاثة ابعاد هي: المحلي(داخل الولايات المتحدة) والدولي(العالم) والاقليمي،مع تركيز على منطقتنا).
أولا: تحديد المنهج التحليلي: كيف اتوقع التداعيات لنتائج الانتخابات الأمريكية على المستويين الاقليمي والدولي
تقوم الدراسات المستقبلية في جوهرها على رصد الاتجاهات الأعظم (Mega Trends)، فهناك الحدث(event) والاتجاه الفرعي(سلسلة احداث في قطاع معين: sub-trend ) وهناك الاتجاه (Trend) وهو المتمثل في تضافر الاتجاهات الفرعية في مسار واحد، كل هذا له هدف هو الوصول الى الاتجاه الاعظم الذي يتمثل في تحديد المتغيرات المركزية التي تتحكم في الحركة ورصد مسارها لفترة زمنية سابقة ، ثم اسقاطها على الفترة الزمنية المقبلة، ويتم ذلك من خلال مصفوفة التأثير المتبادل(Cross impact matrix).
مثال: الانتخابات الرئاسية حدث// الفوز لفترة زمنية كافية-4 سنوات- تشكل الاتجاه الفرعي// ربط السلوك السياسي والاقتصادي والاجتماعي على المستوى الاقليمي والدولي يشكل الاتجاه // درجة التناغم بين هذه الاتجاهات هي التي تحدد الاتجاه الاعظم، ونفس الشيء يتم النظر لشبكة العلاقات الدولية.
تبقى مسالة البجعة السوداء(Black Swan) اي المتغير قليل الاحتمال ولكنه عظيم التاثير، مثل اغتيال الرئيس الامريكي، اضطراب عميق في ايران، نشوب صراع داخلي في اسرائيل، تكرار التنافس الحاد داخل مجلس التعاون الخليجي…الخ، وهي امر لا بد من وضع حساب تأثيرها ضمن السينارويوهات المحتملة.
1-التطبيق:
ابدأ بسؤال: هل يتغير السلوك السياسي الخارجي الامريكي بتغير الرئيس او بنسبة تمثيل الاحزاب في الكونجرس؟(59 مرة انتخاب رئاسي، 47 رئيس،) وهنا لا بد من بعض المؤشرات التي تساعد على الاجابة:
أ-منذ 1875 الى 2024، سيطر الحزب الديمقراطي على الرئاسة والكونجرس 23 مرة ، بينما سيطر الجمهوريون 25 مرة، ولم تكن هناك سيطرة لاي من الحزبين في 38 مرة، وهو ما يعني 44% كانت الحكومة غير متجانسة حزبيا ، وموحدة 55.8%، وسيطر الديمقراطيون بحكومة موحدة في 47,9% بينما توحدت للجمهوريين بنسبة 52.1%.(اقرب للمناصفة مع ميل بسيط لصالح الجمهوريين).
ب-من 1870 الى 2020: لجأ الديمقراطيون للحرب بنسبة 47% بينما الجمهوريون في 53%
ت-اقليميا: من حرب 1967 الى 2020 حكم الديمقراطيون 45،45% والجمهوريون 54.54% ولم يتغير الانحياز لاسرائيل في اية مرة.
ث-سياسات الحصار الاقتصادي من 1914-2020 كان هناك 182 حالة حصار مشترك او منفرد، بنسبة 52.2 زمن الجمهوريين و 47.8% زمن الديمقراطيين.
ج-استخدام حق الفيتو : استخدمت امريكا الفيتو 90 مرة منها 46 مرة لصالح اسرائيل منها 33 زمن الجمهوريين و 13 زمن الديمقراطيين ( 4 مرات زمن بايدن الديمقراطي آخرها في 20 نوفمبر الماضي)، والفارق هنا ناتج عن الظروف الاقليمية والدولية وليست عن تباين في التوجهات.0في فترة ريغان وبوش تم استخدامه 21 مرة، في فترة بايدن وكارتر 9 مرات.
ذلك يعني ان الاتجاه الأعظم لا يشير الى تباين بين الحزبين في إدارة العلاقات الدولية سواء الادوات السياسية او الاقتصادية او العسكرية او القانونية .
2-دور شخصية الرئيس: ثمة مدرستان في الارث السياسي الامريكي حول وزن الرئيس في القرار الخارجي ، (مدرسة الكسندر هاميلتون الرئيس هو سيد الموقف//جيمس ماديسون رابع رئيس : الكونجرس): الملاحظ ان الاتجاه الأعظم لا يتغير بغض النظر عن الرئيس رغم الفروق الفردية
الوضع الحالي:
اولا شخصية ترامب: مع الاقرار بثقل المؤسسة وقوة الاتجاه الاعظم فان شخصية ترامب تمثل نمطا متميزا ، بل ان اكثر وصف رافقه هو انه ” Unpredictable”، وطبقا للشعارات التي طرحها في حملته الانتخابية من ناحية، وطبقا للتقرير الذي وضعه 35 من علماء النفس الامريكيين حول شخصيته من ناحية ثانية ، نشير لما يلي:
أ- شعاراته: اهم ثلاثة شعارات
1- المستقبل للوطنيين لا العولميين:(Patriots- Globalists) اي اولوية المصلحة الوطنية الامريكية على اي مصلحة لتكتل سياسي او اقتصادي او عسكري ما فوق الدولة( مثل الناتو او منظمة التجارة العالمية او النافتا او لجان دولية لحقوق الانسان او القضاء الدولي…الخ)
2-لا حروب الا للضرورة القصوى : والضرورة القصوى في منظور ترامب تتحدد بالمعيار البراغماتي ،اي ان الفكرة صحيحة بمقدار النفع المترتب عليها، لذا فان ترامب سيميل أكثر نحو الضغوط التجارية والاقتصادية والاعلامية .
3-اولوية الاقتصاد على السياسة والعسكرة. وهو ما يعني تقليص المساعدات للدول النامية او للمؤسسات الدولية واعتبار الانخراط في المشروعات الاقتصادية عبر القومية محكوم بمدى النفع المترتب عليه في الاقتصاد الامريكي من حيث الدخل والبطالة والتضخم ومكانة الدولار…الخ.
ب- التحليل النفسي: براغماتي حتى النخاع.
1-انه اقل الرؤساء استخداما لشعارات الديمقراطية وحقوق الانسان بل هو اقرب للاعجاب بالقيادات ذات السيطرة ، ووصف احد الزعماء العرب بانه ” الديكتاتور المفضل “(My favorite Dictator )
2-المبالغة في انجازاته
3-لديه وهم المثالية
4-يعتقد ان الأفراد العاديين لا يستطيعون فهمه
5-يستمتع بالمديح
6-يستغل علاقاته مع الاخرين بشكل جشع
7-لا تعنيه المشاعر خاصة من الآخرين
8-يبرر مواقفه بشكل متعجرف.
9- 76% من تصريحاته تبين انها كذب كليا او جزئيا ، ودل استطلاع لآراء اعضاء جمعية العلوم السياسية الامريكية شمل 320 استاذا ان ترامب هو الاكثر اشكالية بين رؤساء الولايات المتحدة.
أ-السياسة الخارجية الامريكية في الشرق الاوسط
يبدو ان النظرة الدونية لدى ترامب تشكل إطارا للتعامل مع المنطقة، وتشير بعض الدراسات لمضمون ما كتبه او صرح به الى انه يعطي منطقة الخليج(كنظام اقليمي فرعي) اولوية على غيرها من الاقاليم الفرعية الاخرى في الشرق الاوسط( بلاد الشام، حوض النيل، اتحاد المغرب العربي..)، وتتمركز نظرته حول الخليج في انه منطقة ثرية قادرة على شراء السلع لمدنية والعسكرية والاستثمار ، واللافت للنظر ان الذين عينهم في مفاصل مؤسسات الشأن الخارجي من روبيو(الخارجية) و والتز (مستشار للامن القومي) واليس ستيفانك)مندوبة في الامم المتحدة) و مايك هكابي سفيرا في اسرائيل ، يصنفون بانهم صقور وبخاصة في الموقف من الشرق الاوسط، وهو مؤشر اولي لى التوجهات القادمة.
ولكن من الضروري الاشارة الى ان ترامب ميال لتغيير كل من يعارضه في فريقه السياسي ، ففي فترته الاولى قام بتغيير 139 مسؤول امريكي ممن لم يتسقوا مع سياساته
1- موضوع تهجير غزة: عندما طرح ترامب صفقة القرن عام 2017 كتبت حرفيا” ان ترامب متحلل من اي اعتبارات سياسية ،لذا لا ينظر الى الدول إلا كعقارات، فمفهوم الوطن بمدلولاته المادية والمعنوية غائب تماما عن منظوته المعرفية، فالاوطان “اسواق” لا اكثر.
ان مخاطر مشروع ترامب في انه يعزز حالة عدم الاستقرار في المنطقة العربية اضافة الى الحالة القائمة والتي تجعل 97% من العرب يعيشون في مناطق تقف في المستوى السلبي من مقياس كوفمان للاستقرار السياسي،(+2.5 – – 2.5، والدول العربية تقع بين -0.2 و – 2.5).
2- ترامب والمخابرات الروسية
عندما يقود دولة تاريخية وكبرى رئيس ذو خبرة أمنية كالرئيس الروسي بوتين ، لا يستطيع اي باحث استبعاد “النزعة الامنية الاستخبارية ” في دبلوماسية هذا الرئيس ، وبالمقابل ،فان قيادة دولة ” تعد خصما لروسيا” من شخص تقتصر خبرته على تحقيق المكاسب المالية وبنزعة رأسمالية متوحشة ، فان الثاني “يمكن” ان يكون صيدا محتملا للأول.
ولعل المراقبة لطبيعة توجهات الرئيس الامريكي دونالد ترامب تجاه دول العالم كله بما فيها الحلفاء التاريخيين لبلاده، تجعل من علاقاته مع روسيا لا تتسق ونهجه العام ، فها هو يهدد اوروبا ويربك حلف الناتو ويريد اقتطاع غرينلاند من الدنمارك ويستولي على قناة بنما ويريد ضم كندا ويهدد حتى حلفاءه في الشرق الاوسط، كما ان موقفه من الصين يصل الى حد المواجهة التامة ..ولكنه في مقابل هذه الصورة التي يستهجنها قادة دول وازنة كبريطانيا وفرنسا والمانيا ، يقف موقفا وديا تجاه روسيا ويسعى لجر حلفائه نحو المساومة مع روسيا في أوكرانيا، وبكيفية توحي ان جوهر ما يدعو له هو الاذعان الاوروبي لروسيا.
ألا يستدعي كل ما سبق التساؤل عن مفارقات سياسات ترامب ؟ هل له صلات استخبارية مع ال “كي جي بي” السوفييتية( التي أصبحت جهاز الأمن الفدرالي الروسي) التي كان بوتين احد عباقرتها طيلة تجسسه على الناتو ولمدة تصل الى عقد ونصف؟ أليس السعي للكسب المالي وبناء الامبراطوريات العقارية ومقاولات حفلات المصارعة وضعفه امام الانوثة تمثل ” هدفا ناعما” لدهاقنة اجهزة المخابرات الكبرى.
فإذا اضفنا لكل ما سبق الملاحقات القانونية التي لاحقت ترامب منذ بروزه على الساحة السياسية ، وكان ابرزها ملاحقات خاصة بمزاعم عن “صلات مشبوهة مع روسيا” وادوار روسيا في نجاحه في المرة الاولى في الانتخابات الأمريكية ، فان الامر يصبح أمرا يستحق متابعته من خلال عشرات المراجع والكتب والتقارير الصحفية التي تنهك القارئ بتفاصيلها.
فهل ما قاله عميل المخابرات الروسية السابق يوري شفيتس، بان دونالد ترامب كان بمثابة أصل( Asset ) او ذُخر روسي على مدار 40 عامًا، وبأنه تكرار لمشهد حلقة التجسس البريطانية التي نقلت الأسرار إلى موسكو خلال الحرب العالمية الثانية وأوائل الحرب الباردة.
ويورد كتاب كريغ أونغر(Craig Unger) تحت عنوان” American Kompromat” والذي يقع في 352 صفحة والصادر عام 2017 ، تفاصيل هامة عن علاقات ترامب بروسيا وصلاته مع رجل اعمال مريب هو جيفري إبستين واستند الكاتب بشكل واضح في ابرز موضوعاته على شهادات يوري شفيتس، الذي أرسله الاتحاد السوفييتي إلى واشنطن في الثمانينيات،مشيرا الى ان كثيرا من الطلاب يتم تجنيدهم ثم دفعهم للوصول الى مناصب هامة ، وهو امر وقع لترامب نفسه.
لقد كان شفيتس ضابطا كبيرا في الاستخبارات السوفييتية، وكان يعمل تحت غطاء مراسل صحفي لوكالة الأنباء الروسية “تاس” خلال الثمانينيات من القرن الماضي، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة بشكل دائم في عام 1993 وحصل على الجنسية الأمريكية ، ثم عمل محققاً في أمن الشركات وكان شريكاً لألكسندر ليتفينينكو، الذي اغتيل في لندن عام 2006.
ويوضح المؤلف أونجر كيف ارتبط ترامب بالروس في عام 1977 من خلال علاقة مع عارضة أزياء تشيكية اسمها إيفانا زيلنيكوفا والتي اصبحت زوجة ترامب الاولى، وفي تلك الفترة تم التنسيق بين المخابرات التشيكية والسوفييتية لاستثمار ترامب في نشاطاتهما. وما يثير التساؤل سرعة انتقال ترامب لعالم الثراء خلال 3 سنوات إلى حد افتتاح أول مشروع عقاري كبير له وهو فندق جراند حياة نيويورك بالقرب من محطة جراند سنترال، وحصل على 200 جهاز تلفزيون للفندق من مهاجر سوفييتي هو سيميون كيسلين الذي كان يمتلك شركة Joy-Lud Electronics ، وهي تابعة للمخابرات السوفييتية .
وتبدا مرحلة تعميق العلاقة –طبقا للكتاب- في عام 1987، عندما زار ترامب الامريكي وزوجته التشيكية كلا من موسكو وسان بطرسبرج، وخلال هذه الفترة تحول اتجاه رجال المخابرات الروسية الى توجه جديد وهو زرع فكرة “الدخول الى عالم السياسة ” في عقل ترامب بعد دراسة شخصيته القابلة للنفاذ فيها من خلال جوانب ضعفها ، وبخاصة صفات ثلاثة شكلت المدخل لتجنيده وهي: الضعف الفكري، الخلل النفسي، تلذذه المفرط بالإطراء عليه.(والغريب ان هذه الصفات تتطابق مع جوهر تقرير خبراء العلوم النفسية والاجتماعية الامريكيين الذين وضعوا تقريرا حول حالة ترامب النفسية عام 2017)، ويشير الكتاب الى ان التركيز لرجال المخابرات السوفييتية بشكل اساسي كان على نقطة محددة هي زرع فكرة في عقل ترامب هي ” انه يجب ان يكون رئيسا للولايات المتحدة، فمثله هم القادة المؤهلون لقيادة العالم ” وهو ما دغدغ نرجسيته المرضية بشكل كبير.
وبمجرد عودته بدأ يسعى لتعميق علاقاته بالحزب الجمهوري،وبدأ بعقد لقاءات وتجمعات انتخابية اضافة لنشر اعلانات انتخابية في اهم الصحف الامريكية وبخاصة نيويورك تايمز، وتضمنت اعلاناته التشكيك بجدوى حلف الناتو وبالعلاقة مع اليابان “، وبقي التواصل مع روسيا الى ان جاءت انتخابات 2016 والتي فاز فيها ترامب وتحقق التخطيط الروسي واصبح ترامب رئيسا للولايات المتحدة .
وبعد فوزه الذي سارعت روسيا للترحيب به، بدأت موجة عاتية من الاتهامات المباشرة والضمنية لاحتمال علاقة مشبوهة بين روسيا وترامب، ولكن لم يتمكن المحقق المكلف بالقضية روبرت مولر من اثبات وجود مؤامرة بين أعضاء حملة ترامب والروس، لكن مركز صندوق العمل للتقدم الأمريكي الذي وقف وراء مبادرة مشروع موسكو، أن فريق حملة ترامب كان لديهم اتصالات مع الروس (قدرت بحوالي 272 اتصالاً) وانهم عقدوا اجتماعات مع عملاء روس(قدرت ب 38 اجتماعًا ).
لكن تقرير مولر الصادر في مارس عام 2019 ،والذي يقع في جزئين من207 صفحات، تحت عنوان (Report On The Investigation Into Russian Interference In The 2016 Presidential Election)، يستعرض في مجلده الاول النتائج الواقعية لتحقيق المستشار الخاص في تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 وتفاعلاتها مع حملة ترامب، وتم تقسيم المجلد الى خمسة اقسام يصف القسم الأول نطاق التحقيق في الموضوع ، بينما يصف القسمان الثاني والثالث الطرق الرئيسية التي تدخلت بها روسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، في حين يحاول القسم الرابع تحديد الروابط بين اعضاء في الحكومة الامريكية والأفراد المرتبطين بحملة ترامب، وحدد القسم الخامس قرارات الاتهام التي توصل لها المستشار الخاص.
أما المجلد الثاني من التقرير، فتركز على تصرفات الرئيس تجاه مكتب التحقيقات الفيدرالي ، الى جانب عرض تصرفات الرئيس تجاه تحقيق المستشار الخاص، مع عرضه الاعتبارات التي وجهت التحقيق في الاتهامات.
لكن الملفت للانتباه هو طبيعة الجهات المدعية، فهي جهات ذات وزن في المجتمع والدولة، في يونيو/حزيران، أعلنت اللجنة الوطنية الديمقراطية وفريق الاستجابة السيبرانية التابع لها علنًا أن قراصنة روس اخترقوا شبكة الكمبيوتر الخاصة بها. وبدأت عمليات إصدار المواد المخترقة التي سرعان ما نسبتها التقارير العامة إلى الحكومة الروسية في نفس الشهر.
وتبع ذلك إصدارات إضافية في يوليو/تموز من خلال ويكيليكس، مع إصدارات أخرى في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني. وفي أواخر يوليو/تموز 2016، بعد وقت قصير من إصدار ويكيليكس الأول للوثائق المسروقة، اتصلت حكومة أجنبية بمكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن لقاء في مايو/أيار 2016 مع مستشار السياسة الخارجية لحملة ترامب المدعو جورج بابادوبولوس، وكان بابادوبولوس قد اقترح على ممثل تلك الحكومة الأجنبية أن حملة ترامب تلقت مؤشرات من الحكومة الروسية بأنها يمكن أن تساعد الحملة من خلال الإصدار المجهول لمعلومات تضر بالمرشحة الرئاسية الديمقراطية هيلاري كلينتون.
وقد دفعت هذه المعلومات مكتب التحقيقات الفيدرالي في 31 يوليو/تموز 2016 إلى فتح تحقيق في ما إذا كان الأفراد المرتبطون بحملة ترامب ينسقون مع الحكومة الروسية في أنشطتها التدخلية، بعد ذلك أعلنت وكالتان فيدراليتان بشكل مشترك أن الحكومة الروسية “وجهت الاختراقات الأخيرة لرسائل البريد الإلكتروني من الأشخاص والمؤسسات الأمريكية، بما في ذلك المنظمات السياسية الأمريكية” بهدف التاثير على نتائج التدخل في عملية الانتخابات الأمريكية”.
وبعد الانتخابات، في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2016، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على روسيا لتدخلها في الانتخابات، وبحلول أوائل عام 2017، كانت العديد من اللجان في الكونجرس تفحص تدخل روسيا في الانتخابات، كما أن السلطة التنفيذية، استنادا لما سبق اتخذت قرارا في مايو 2017 بفرض عقوبات على روسيا بسبب تدخلها في الانتخابات.
ورغم ان التقرير يحتوي على صفحات تم طمس محتوياتها باللون الاسود( يبدو انها تشتمل على معلومات خطيرة وسرية)، لكن مسالة التدخل الروسي كانت مسألة جدية بالقدر الذي دفع الحكومة الامريكية الى اتخاذ اجراءات عقابية ضد روسيا ، بخاصة ان التقرير يكشف عن لقاءات واتصالات بين فريق ترامب بخاصة كوشنر وغيره واطراف روسية او وكلاء لهم، واللافت للنظر أن التقرير يميز بين معالجة الموضوع على اساس المؤامرة(Conspiracy) لا على اساس التواطؤ(Collusion)- طبقا للتمييز في القانون الفيدرالي الامريكي- ، ولذلك انتهى التحقيق الى أنه لم يثبت أن الاتصالات الموصوفة في المجلد الأول، القسم الرابع، أعلاه، كانت بمثابة اتفاق على ارتكاب أي انتهاك جوهري للقانون الجنائي الفيدرالي – بما في ذلك قوانين النفوذ الأجنبي وتمويل الحملات،. وبالتالي، لم يتهم المكتب أي فرد مرتبط بحملة ترامب بالتآمر لارتكاب جريمة فيدرالية أو أي جريمة أخرى.
فإذا اضفنا الى كل ما سبق الجهات الاخرى التي تدعم فكرة العلاقة بين ترامب وروسيا ( مثل ملف كريستوفر ستيلي، والتقارير الصحفية بخاصة ما نشرته نيويورك تايمز او واشنطن بوست عام 2017، وتقارير مختلفة من ال FBI او بعض تقارير لجان االكونجرس او شخصيات مناصرة لترامب او من رجال الاعمال الذين لهم صلة به، فان الامر يستحق التوقف عنده، فمن غير المعقول ان كل هذه المعطيات ليس لها اساس.
الخلاصة:- ليس من السهل الجزم في قضية كهذه ، ولكن الامر يفتح بابا للاستغلال من قوى الدولة العميقة في امريكا، فإذا ذهب ترامب بعيدا في قراراته غير المنضبطة، او إذا حاول انتهاج سياسات تبدو منحازة “لروسيا” ، فان عدم الرضا الاوروبي أو غيره من حلفاء امريكيا لن يؤثر على ترامب مع حجم تاييده الشعبي الذي ظهر في الانتخابات ، وهو ما يعني ان المخرج الوحيد للدولة العميقة- إنْ تمادى ترامب – هو نبش ملفات- كعلاقاته مع روسيا- تفتح الباب امام المساءلة القانونية واقامة الدعوى مجددا عليه(Impeachment) لا سيما ان سابقة الرئيس نيكسون تعزز الاحتمال لكنها لا تجعله يقينا.
3- يُشكل الاعلان الرسمي لكل من الاردن ومصر برفض خطة ترامب للسيطرة على قطاع غزة وتهجير سكانه مقدمة لوضع تصور استراتيجي تتبناه الدولتان وبخاصة في القمة العربية القادمة في القاهرة، وأرى ان افشال مشروع ترامب يحتاج من الدولتين تصورا متكاملا من ناحية ومتحللا من النظرة الراهنة باتجاه نظرة استراتيجية مستقبلية من ناحية ثانية، ويبدو لي أن هذه النظرة يجب ان تستند في:-
أولا: شخصية ترامب:. (اشرنا لها)
ثانيا: عدم الاستقرار:
ان اي تصور للتداعيات المستقبلية للقبول بخطة ترامب –بأي شكل او مستوى- يعني الانتقال من تهجير غزة الى تهجير الضفة الغربية ، بل ولاحقا تهجير سكان الجليل من الفلسطينيين، وهو ما يعني حالة من عدم الاستقرار قد تستغرق ما بين 30-40 سنة.
ومن الضروري هنا العودة للتاريخ، فكل تنازل عربي لصالح اسرائيل يقود الى أزمات أكبر واعمق واطول زمنا، ويكفي النظر في مؤشر عدم الاستقرار السياسي في المنطقة العربية منذ 1967، وأؤكد أن معدل عدم الاستقرار في المنطقة بعد كل تنازل لصالح اسرائيل إزداد عن المرحلة السابقة على التنازل، ويكفي العودة لنموذج كوفمان لقياس الاستقرار السياسي خلال الفترة من 1994-2024(ثلاثين سنة) لنتبين ان 97.2% من العرب يعيشون في مناطق تزداد عدم استقرار، ووقعت كل الدول العربية تقريبا ضمن المنطقة السالبة في عدم الاستقرار ، كما ان ترتيبها(عام 2024) يأتي بين المرتبة 110 و 193 بين دول العالم في عدم الاستقرار السياسي.
ذلك يعني ان القبول بخطة ترامب سيترتب عليها تعميق عدم الاستقرار المحلي والاقليمي، لان ظاهرة عدم الاستقرار هي احد الظواهر السياسية الاكثر قبولا للانتشار (Spillover)، وهو ما يستوجب الرفض القاطع الواضح لخطة ترامب،لان ما يترتب عليها سيكون أكبر من كل ما مضى فهي شر مستطير.
ثالثا: المواجهة :-
اكاد أجزم ان مواجهة مشروع التهجير ممكن وبقدر كبير ، ويشترط بعض الخطوات:
أ- كلما كان الاسراع في عملية اعادة الاعمار كانت مقومات تثبيت الشعب الغزي في ارضه اقوى، لذا على الدول العربية النفطية بخاصة (مجلس التعاون الخليجي والعراق والجزائر وليبيا) أن تساهم في حدود مساهمتها في حرب افغانستان ضد الاتحاد السوفييتي، فاجمالي الناتج المحلي العربي (الاسمي) هو 5.20 تريليون او 13.14 تريليون (المعادل الشرائي)، فإذا كانت تقديرات الاعمار تصل الى 50 مليار دولار ، فهذا يعني ان على العرب ان ينفقوا ما بين 1%(الاسمي) الى 0.4%(المعادل الشرائي) لعام واحد فقط، فاذا حسبنا احتمال الحصول على مساعدات من دول العالم الاسلامية وغيرها ، فان المطلوب سيكون بين 0.8% الى 0.1% من اجمالي الناتج المحلي العربي بنمطيه الاسمي او المعادل الشرائي.
لذا على مؤتمر القمة ان يكون قراره الاول هو انشاء صندوق فوري للاعمار ، مع لجنة عربية تقوم بنشاط دبلوماسي واسع لتغطية المطلوب المالي من كل الاطراف العربية وغيرها، مع السعي لفتح المجال لصناديق تبرعات شعبية في كل دولة، وهو ما سيؤدي لتخفيض العبء على الميزانيات الحكومية.
ب- عدم اتخاذ قرارات “اشكالية” بخاصة حول من يدير قطاع غزة خلال العام القادم على الأقل ، لأن ذلك سيفتح المجال لاشكالات لا حصر لها،بل وسيعطل عمليات الاعمار، ذلك يعني ضرورة ترك ذلك للادارة الغزية الحالية الى حين اتمام الاستقرار الاقتصادي والحياتي ثم يتم بعد ذلك ترتيب الوضع السياسي.
ان طرح تشكيل ادارة غزية جديدة يعني تعطيل تقديم المساعدات بل والتأثير على كميات هذه المساعدات، لذا لا بد ان تترك الدول العربية وبخاصة الاردن ومصر اية حساسيات من بعض التنظيمات الفلسطينية في غزة الى حين تحقيق الاعمار، والا فان خلق اضطراب سياسي في القطاع سيعزز من مبررات ترامب لخطته.
ت- من الواضح ان كل دول العالم (193 دولة في الامم المتحدة) باستثناء امريكا واسرائيل لم تبد اي موقف داعم لخطة ترامب، بل ان الموقف الاوروبي بما فيها بريطانيا اعربت عن اعتراضها على الخطة، كما ان اغلب المنظمات الدولية المختلفة واغلب قطاعات الرأي العام الدولي تعترض بل وتستهجن الخطة، ناهيك ان 145 برلمانيا امريكيا اصدروا بيانا واضحا برفض الخطة، كما ان رموزا امريكية من المفكرين والادباء والفنانين والاعلاميين “سخروا” من الخطة، وهو ما يجعل الطرف العربي يتحرك في بيئة دولية مواتية.
ث- ضرورة تجنب البحث في موضوع نزع سلاح المقاومة ، لان نزع السلاح يعزز الموقف اليميني الاسرائيلي ،ويضيف غواية على غواية ترامب، فلا بد ان يكون سلاح المقاومة خارج “المقايضة” ولو من منظور تفاوضي مؤقت.
ج- اعتقد ان على المقاومة في غزة ان تعلن عن ” توحيد كافة الفصائل المسلحة” تحت قيادة واحدة لتبدو وكأنها جيش تقليدي يخضع لقيادة واحدة، دون ان يعني ذلك تذويب الفصائل السياسية في كيانية تنظيمية واحدة.
ان المقصود هنا هو تقديم عناصر المقاومة على انهم جيش نظامي كما هو الحال في كل دول العالم ، واعتباره جهازا للحماية والامن الداخلي للمرحلة القادمة والى حين اعلان الدولة الفلسطينية في اطار حل الدولتين ( وهذه المسألة يراد بها امتصاص زخم خطة ترامب الى حين ضمان استقرار المجتمع الغزي واضعاف غواية الهجرة).
ح- يجب ان يقتصر عمل القمة القادمة على الموضوع الفلسطيني فقط وحصريا، فقد تدفع بعض الاطراف لفتح ملفات اخرى لخلق خلافات يجري توظيفها لتبرير الانسحاب من الالتزامات المالية او السياسية.
خ- اما موضوع المرضى من كافة الفئات ، فالارقام المتوفرة لدى منظمة الصحة العالمية وغيرها من المؤسسات تشير الى ان في العالم العربي حوالي 6900 مستشفى( عام وخاص) في الدول العربية، فلو وزعنا كل جرحى غزة على المستشفيات العربية فان نصيب كل منها سيكون ما بين 15-20 مصابا، وهو امر لا يشكل عبئا على اي دولة مهما كان وضعها الصحي او الاقتصادي.
4- منطقة الخليج: خلال فترته الاولى واثناء تصاعد الازمة في اليمن ، وتوجيه ضربات من انصار الله لبعض الدول الخليجية(2019) لم يكن هناك رد فعل امريكي مؤثر، لانه ينظر الى المنطقة على انها منطقة تحارب بعضها بعضا منذ امد طويل، وهو لا يريد التدخل في ظاهرة لا تعنية من هذه الناحية، فمقاطعة قطر والتنافس بين دول الخليج في القرن الافريقي وفي السودان وليبيا والخلافات حول الموقف من الحركات الاسلامية كلها تعزز نظرته هذه.
5- لم يرد في ادبيات ترامب انشاء دولة فلسطينية، وهو الشرط الذي وضعته السعودية للتطبيع مع اسرائيل ، وهو ما يعني ان الاحتمال الارجح القبول بكيان فلسطيني ولكن بمواصفات اقرب للإدارة المحلية، وهو ما قد يفتح المجال للتسوية.
6- ايران:
يبدو انه سيستغل التوجهات السياسية الايرانية لتعميق الهواجس الخليجية ليمارس الابتزاز مع انظمة عربية خليجية سبق وان قال لها بصوت مرتفع إذا تخلينا عنكم ستكون القوات الايرانية في عواصمكم خلال دقائق، وهو ما يعني ضرورة مساهمة هذه الدول الخليجية في تحريك دولاب الدخل للمجمع العسكري الصناعي الامريكي، وفي فترة ترامب الاولى كان معدل الانفاق الدفاعي السعودي من اجمالي الناتج المحلي هو 9.6%، لكنه انخفض في السنوات اللاحقة لفترة ترامب الاولى الى 7.5%، اي ان فترة ترامب تفوق ما بعدها بحوالي 2%.
من جانب آخر، فان اية محاولات جديدة من ايران لاحياء الاتفاق النووي الذي الغاه ترامب في دورته الاولى لن تجد منه اذنا صاغية، وهو ما قد يدفع ايران الى انتهاج سياسة تغيير “استراتيجية ايران النووية”كما قال كمال خرازي مستشار المرشد الايراني في أول نوفمبر 2024، وهو ما قد يزيد الامور تعقيدا امام ترامب من زاوية عدم الانخراط المباشر في حروب الشرق الاوسط، وهو ما اعلنه بوضوح نائبه فانس حين قال “ليس من مصلحتنا الحرب مع ايران”.
ويبدو ان اتفاقات الشراكة الاستراتيجية بين ايران وكل من روسيا والصين قد تجعله اكثر حرجا في موضوع مواجهة عسكرية مع ايران على غرار ما جرى عند التدخل الامريكي في العراق او في افغانستان.
اما سياسات الحصار الاقتصادي لايران فقد تستمر لكننا نعتقد ان فاعليتها ستكون اقل من فترة ترامب الاولى نظرا لتوسيع ايران علاقاتها بخاصة مع الصين وتركيا وكوريا الجنوبية والهند واليابان الى جانب 12 دولة اخرى، وتصل مبيعات ايران البترولية الى حوالي 1,5 مليون برميل يوميا.
5- مصر: في دورته الرئاسية الاولى روج الاعلام الغربي معلومات عن دفع الرئيس المصري عشرة ملايين دولار لمساندة حملة ترامب ،(واشنطن بوست) بل واعاد النواب الديمقراطيون طرح الموضوع خلال الانتخابات الامريكية الاخيرة، ويبدو لي ان مصر هي الدولة الاقل اعتناء من جانب ترامب ، فهو لا يراها إلا دولة فقيرة ، تشتعل النيران من حولها في ليبيا والسودان وغزة والبحر الاحمر ، وبالتالي فهي عبء لا عون ، ولا أظنها ستحظى باهتمامه الا من كونها سوق(التجارة بين الطرفين 6.9 مليار دولار) أومنطقة للاستثمار( حاليا يصل حجمه 13.7 مليار دولار) وهناك حوالي اكثر من الف فرع لشركات امريكية في مصر ناهيك عن مبيعات عسكرية بحوالي 2.5 مليار دولار، وقد يكون من الارجح أن تكون غزة موضوع مقايضة بين مصر والولايات المتحدة تؤول لضغوط مصرية سياسية واقتصادية اكثر على المقاومة في غزة.
الخلاصة:
ان المشهد القادم للمنطقة بعد عودة ترامب مرتبط لا بالموقف الامريكي المستقر كما بينا منذ بدء الصراع بل ببعدين عربيين هما:
أ- مدى تماسك محور المقاومة وقدرته على دفع الخصوم الاسرائيليين والغربيين لتغيير توجهاتهم.
ب- مدى استمرار الاسترخاء العربي الرسمي والشعبي بالقدر الذي يجعل صانع القرار في اية دولة كبرى او صغرى لا يتخوف من اية عواقب لاية سياسات ينتهجها في المنطقة.
ان الاشكالية المنهجية في تحليل السياسات العربية هو في اعتبار المتغير الرئيسي في تشكيل التسويات هو الطرف غير العربي وبخاصة الامريكي ، والحقيقة ان استمرار السياسات العربية او تغيرها هو الذي يحمل في طياته شكل التسويات القادمة، ومن هنا يجب طرح التساؤل التالي: ما هي التغيرات المحتملة في البنية العربية التي يمكن ان تقود ترامب او غيره لتغيير توجهاته؟ ان هذا الرئيس البراغماتي لن يستجيب الا بمقدار ما ينتفع، لانه متحرر من اية اعتبارات قيمية ،وهو ما يعني ان علينا ان نجيب على السؤال المركزي وهو: هل يوظف العرب والمسلمون امكانياتهم الكثيرة لإجبار أو غواية هذا البراغماتي ليغير من توجهاته نحو المنطقة؟ هذا هو جوهر الموضوع، فموقف الولايات المتحدة من طرد تايوان من الامم المتحدة لم يكن نتيجة تغير ذاتي في التوجهات الامريكية بل كان نتيجة لضغوط وغوايات صينية نَفَذَتْ من ثقوب البراغماتية في العقل الامريكي…وهذه هي المشكلة لدينا.