أجرى اللقاء الإعلاميّة الأديبة: سريعة سليم حديد/ سوريا
انجاز : المقدّمة: هي كيد الطبيعة تنثر أزاهير النّرجس هنا, وتترك ورود شقائق النّعمان, تتمايل هناك, وتظللّ الأقحوان بفيء الشّجر لتبدع في النّهاية لوحة غاية في الجمال؛ إنّها الأديبة الأردنيّة المتميّزة سناء الشّعلان (بنت نعيمة), بما تحمله من تنوع أدبيّ شمل الرّواية والمسرح والنّقد وأدب الأطفال والدّراسات والمقالات الصّحفيّة, وتوَّجتْ ذلك كلّه بالجوائز الأدبيّة على الصّعيد الدّوليّ, وكان لنا معها حوارنا التالي.
1- جميل ذلك الربّط الذي نراه كثيراً في إبداعاتكِ, ربط اسمكِ مع اسم الوالدة الأديبة نعيمة المشايخ -رحمها الله-. فما هو الأثر الأكبر الذي تركته الوالدة في نفسكِ, حتى جعلكِ تتجهين نحو الأدب بهذا الاندفاع المميّز؟
بعد رحيل أمّي بدأ النّاس بالتّدريج ينسون اسم أمّي التي ضحّتْ بحياتها كلّها لأجلي، وساهمتْ في بناء معمار إبداعي ووجودي، وكان لها الفضل الأوحد في حياتي؛ لذلك ابتكرتْ محبتي لها أن أقرن اسمها باسمي كي تخلد معي ما خلدتْ كلماتي، وأن تكون شريكتي في كلّ مكان كما كانتْ في الحياة؛ لذلك أصبح اسمي (سناء الشّعلان بنت نعيمة) لأنقش اسمها في الخلود، كما نقشتْ اسمها في روحي.
2- إنّ كلّ أديب يترك بعد وفاته موروثاً أدبيّاً بعضه لم يكتمل بعد, وهو بحاجة إلى متابعة إبداعيّة ومن ثم طباعة, فهل يستطيع الوارث المبدع في رأيكِ متابعة ذلك, وهو يقف أمام إنصاف ذلك الأديب أو عدمه؟
لا أعتقد أبداً أنّ الوارث للمبدع يستطيع أن يقوم بهذه المهمّة على خير وجه إلاّ إنْ كان من الحقل الإبداعيّ ذاته، وهذا نادراً ما يكون، أمّا إن كان الوارث من خارج حقل الإبداع، فهذا الإرث سوف يضيع في غالب الأحيان؛ لذلك فقد جعلتُ كامل أدبي ونقدي المخطوط وأوراقي المهمّة وديعة عند صديقي المبدع (عباس داخل حسن) ليتصرّف بها كما يشاء عند رحيلي عن هذه الحياة.
3- صدر عدد خاصّ في أدب الرّحلات عند الأديبة نعيمة المشايخ والدّكتورة سناء الشّعلان, العدد التّاسع من مجلة (المشاهد) التي تصدر في الهند, فما الذي تميّزتِ به تلك الرّحلات الأدبيّة برأيكِ؟
هذه الرّحلات هي الوحيدة من نوعها في أدب الرّحلات وفق علمي؛ إذ هي رحلات مشتركة بين أمّ مبدعة وابنتها الكاتبة في رحلة استكشافيّة عاموديّة وأفقيّة في المشهد الإنسانيّ والإبداعيّ المعاصر الهنديّ ضمن منظور تاريخيّ موغل في العمق لآلاف السّنوات، إلى جانب مقاربة حياتيّة للقطاع العلميّ المسلم في الهند؛ وقد كانتْ لأمّي مشاركة علميّة وإنسانيّة في هذه الرّحلة؛ وقد سجلّتُ ذلك في كتابة مشتركة لها ولي أثناء حياة أمّي الحبيبة، قبل أن يداهمها مرضّ السّرطان اللّعين، وتنتقل إلى الحياة الأخرى.
4- موضوع الكذب أفردتِ له مجموعة قصصيّة بعنوان (أكاذيب النّساء) حتى أنّكِ بدأتِ مجموعتكِ القصصيِة التي تحت عنوان (الذي سرق نجمة) بقصة أخذت العنوان ذاته, وقد حملت موضوع الكذب أيضاً. فما رأيكِ في هذا الأمر؟
هذه المجموعة هي صرخة أدبيّة فلسفيّة وجوديّة في وجه الكذب والكاذبين الذين استولوا على هذه الحياة، وشوّهوا مفاهيمها، وأفسدوا جمالها؛ لذلك باحت المجموعة بتجريمها لكلّ مجرم بصدق وجرأة ومواجهة صريحة دون مواربة. هذه المجموعة هي صرخة متحدّية في وجه الكذب والكاذبين وسِفْرٌ لسقوطهم.
5- لكلّ أديب طقوسه الخاصّة في الكتابة, فهل للأديبة (بنت نعيمة) جوّ خاصّ ترسمه لنفسها؟
في حياة أمّي الحبيبة كنتُ أشعر بأنّ قربها هو أهمّ طقس من طقوسي الإبداعيّة والفكريّة والأكاديميّة، إلى جانب محبّتي لأكتب في مكان فيه ظلّ ورائحة جميلة، وهي بالتّحديد رائحة عطري، فضلاً عن الكتابة بالقلم الأزرق على الورق الأزرق المعطّر.
لكن منذ رحيل والدتي غدوتُ أميل إلى الكتابة على الحاسوب مباشرة بعيداً عن النّاس والأنس والرّوائح الجميلة؛ فقط أحتاج إلى الهدوء والتّأمّل والكتابة والقراءة في مكتبي أمام حاسوبي بين كتبي وأوراقي وقصاصات ملاحظاتي؛ يبدو أنّ رحيل أمّي الحبيبة قد غيّر الكثير في روحي وطباعي وطقوسي.
6- الآن أنتِ في صدد إصدار كتابكِ الاستثنائيّ (نحبّكِ يا نعيمة)، وهو كتاب شهادات إبداعيّة. ماذا تقولين عن هذه التجربة؟
هذا الكتاب هو كتاب شهادات إبداعيّة أجمعه بأقلام كلّ من عاصروا أمّي وأحبّوها، وأرادوا أن يوثّقوا تجربتهم معها من عوالمها المختلفة من الأقارب والأهل والأدباء والمبدعين والإعلاميين والحقوقيين والباحثين والأكاديميين.
هذا الكتاب – العملاق حجماً ومضموناً- هو شهادة حبّ لأمّي من كلّ مَنْ عاصروها، كما هو قلادة وفاء منّي لذكرى أمّي الحبيبة رحمها الله رحمة واسعة لا تنقضي.
7- في روايتكِ الأخيرة (أدركها النّسيان) هناك صداميّة كاملة مع المجتمع. ألا تخشين من هذا الصّدام الجريء مع مجتمع بأكمله؟
المجتمعات عندما تنحطّ يصبح الصّدام معها فضيلة مشرّفة على الرّغم من أنّ الكثيرين ممّن يتخفّون وراء رداء الفضيلة يحاولون أن يتصنّعوا الاشمئزاز من مواجهتهم بسقوطهم، إلاّ أنّني أرى أنّ من وظائف الرّواية التّنويريّة أن تفضح السّقوط وأصحابه على ما في ذلك من مخاطر من الصّدام معهم؛ لأنّهم في الغالب قوى ضاغطة في المجتمع، ويشكّلون عصاباتهم ومافياتهم.
8- البعض يرى أنّ روايتكِ الشّهيرة (أعشقني) قد غدتْ من كلاسيكيّات أدب العشق والخيال في الأدب العربيّ المعاصر. ما سبب هذه المكانة التي تبوأتها هذه الرّواية؟
أعتقد أنّ الرّواية قد استطاعتْ أن تشكّل بصمتها الخاصّة في الشّكل والمضمون؛ فمن ناحية الشّكل هي مغامرة تجريبيّة في عوالم الخيال العلميّ الفنتازيّ، ومن ناحية المضمون هي ثورة تحريضيّة للإنسان المعاصر على قبحه وسقوطه وجناياته؛ لذلك غدت هذه الرّواية صرخة مرعبة في عوالم الصّمت والمستقبل المرعب الذي ينتظر الإنسانيّة المنحرفة على أدنى أشكال إنسانيتها المنشودة.
9- هل أنتِ روائيّة أم قاصّة أم ناقدة أم مسرحيّة أم كاتبة سيناريو؟
أنا الكاتبة المخلصة للجنس الأدبيّ الذي تكتب فيه في وقت كتابته، إلاّ أنّني النّاقدة في الأوقات جميعها، لا سيما عندما أنتج أدبي؛ فأكون السّلطة النّاقدة له ليخرج على السّويّة التي أرتضيها له.
10- لماذا جنحتِ إلى الكتابة المسرحيّة بهذه الغزارة في مجموعتكِ المسرحيّة العملاقة (سيلفي مع البحر)؟
لأنّ الفعل الدّراميّ في المسرح يحمل من الانفعالات والتّأثير والصّدمة والتّفاعل والتّطهير ما لا يستطيع جنس آخر أن يحمله بذات الشّروط والمعايير؛ وأنا أحتاج لهذه العناصر في بعض القضايا التي أطرحها.
11- هناك شراكة خاصّة لك مع مركز التّنّور الثقافيّ العربيّ الفنلنديّ. ما هي الخطوة المقبلة من هذه الشّراكة؟
شراكتي مع مركز التّنّور الثقافيّ الفنلنديّ العربيّ الذي يرأسه الأديب والنّاقد العراقيّ عباس داخل حسن هي شراكة عملاقة وممتدّة لها مشروع كبير وعملاق، إلاّ أنّ الخطوة المقبلة منه هي إصدار إرثي الإبداعيّ والنّقديّ وإرث أمّي الحبيبة الرّاحلة نعيمة المشايخ في إصدارات جامعة عملاقة.