الهيئات المستقلة.. وجودها جدلي وفاتورتها تناهز الربع مليار دينار
كتبت- نيفين عبد الهادي
انطلقت الحكومة منذ تشكيلها على مبدأين أساسيين لعملها أولهما المكاشفة التي تستند على مشاركة المواطن بالكثير من القضايا حتى التحديات، وثانيهما وضع خطط قابلة للتنفيذ، بعيدا عن تقديم وعود صعبة المنال، أو الالتزام بجعلها ممكنة، فكان أن تعامل المواطنون مع نهجها بالكثير من الأمل والإطمئنان بأن صوتهم مسموع وأن حلولا مؤكدة باتت في طريقها للتطبيق لمطالب عديدة علت أصواتهم بها.
وفي تحديد لعنوان عملها أشار رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزّاز إلى أن كتاب التكليف الملكي السامي يطالب بمشروع نهضة وطني شامل يتعامل بشكل اساسي مع طموحات وتطلعات الشباب، فضلا عن اشارته إلى أهمية ما ورد في الأوراق النقاشية لجلالة الملك والتي تعدّ أيضا عنوانا رئيسيا لعمل الحكومة، الأمر الذي وضع الحكومة في مكان يمكن من خلاله رؤية ومتابعة عملها ومعرفة سطور وكلمات أجندتها، يقابل ذلك فتح الباب على مصراعيه للمساءلة وفقا أيضا لما أكده رئيس الوزراء بأن الأمر متاح للجميع ومن خلال عدة قنوات ستوفرها الحكومة.
وضوح وشفافية، تجعل من نور الأمل يتسلل الى عتمة الانتظار والترقب، التي سيطرت على أذهان وحياة كثيرين، بانتظار خطوات تطبيق عملية بدأت بجزء منها عمليا الحكومة وادخلتها حيّز التنفيذ ولعل أبرزها آلية التعامل مع مرضى السرطان، وبحث الضرائب المفروضة على سيارات الهايبرد، واستقالة أعضاء الحكومة من أي مجالس إدارات لشركات، وإجراءات أخرى تم الإعلان عن وضعها في سياق التنفيذ من خلال إحالتها للجان مختصة.
ويبقى ملف ضبط النفقات من أكثر الملفات التي قدمتها الحكومة، سيما وأنها جعلت من نفسها في السطر الأول من هذا الملف، بادئة بنفسها سواء كان لجهة تخفيض نفقاتها، أو لجهة إعادة هيكلة القطاع العام في توجه عملي لدمج بعض المؤسسات المستقلة، مع التأكيد على أنه لن يلحق هذا التوجه أي قرارات بإنهاء خدمات أي موظف عامل في هذه المؤسسات.
ولعل ملف إعادة هيكلة القطاع العام، ليس بجديد فقد طرحته حكومات سابقة، وهذا ما أشار له رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزّاز، بقوله «أن الحكومات السابقة قطعت شوطا في دمج المؤسسات وستواصل الحكومة المسيرة بهذا الاتجاه»، في خطوة تبدأ بضبط النفقات، وصولا لرفع سوية عمل هذه المؤسسات وجعلها أكثر رشاقة وتحسين نوعية الأداء والخدمة المقدمة.
ورغم جهود سابقة لدمج مؤسسات حكومية مستقلة، وحتى الغاء عدد منها ودمج أخرى، ممن تتشابه مهامها، إلاّ أن بقاء عدد منها ما يزال مثار جدل، سيما وأننا ما نزال نتحدث عن أن عدد المؤسسات المستقلة (الوحدات حكومية) يبلغ (54) مؤسسة، باستثناء الشركات المملوكة بالكامل للحكومة، يعمل بها ما يقارب (37) ألف موظف، وتبلغ إجمالي فاتورة الأجور والتعويضات ومساهمات الضمان الاجتماعي لهم ما يقارب (278) مليون دينار، تشكل ما نسبته (17%) من الفاتورة الاجمالية للأجور والتعويضات في الجهاز الحكومي المدني ككل، وذلك وفق البيانات الواردة في مشروعي قانون الموازنة العامة وقانون موازنات الوحدات الحكومية لعام 2017، وبيانات الوحدات الحكومية التي لم ترد بياناتها في مشروعي هذين القانونين.
هذا الأمر يضع صانع القرار أمام حقائق رقمية واضحة لا مساحات ضبابية بها، تؤكد أن ملف المؤسسات المستقلة ما يزال يفرض نفسه، ويجعل من إشارات رئيس الوزراء بأن العمل سيبدأ قريبا بإعادة هيكلتها واحدة من أهم خطط الحكومة التنموية والإصلاحية الرامية لتطبيق مشروع النهضة الذي وجه به جلالة الملك.
مؤسسات بالعشرات منها المفيد ومنها منعدم الفائدة، تضم مئات الموظفين، برواتب كبيرة تجاوزت في بعضها رواتب الوزراء، وأخرى أنشئت لغايات معينة، ذهبت الغاية وبقيت المؤسسة، ومؤسسات تتشابه بالمهام، مئات العاملين بالجهاز الحكومي يزيدون المشهد العام ترهلا لعدم وجود دور واضح ومفيد لهم، رواتب ضخمة لمديرين وأحيانا لموظفين، وغيرها من السلبيات التي يجب حسم أمرها وعلاجها وبعجل، ذلك أن كل يوم يمر على وجودها يزيد من تشوهات القطاع العام ويشدّ جهود تطويره للخلف.
رئيس الوزراء أكد أن «تخفيض النفقات ورفع سوية الخدمات يتطلب اعادة هيكلة مؤسسات حكومية من وزارات وهيئات مستقلة، مؤكدا أن الوزير يجب أن يكون المساءل وصاحب الولاية على قطاعه وأن فصل السلطات والولاية العامة تتطلب أن يكون الوزير هو المرجعية في قطاعه» مؤكدا بهذا الشأن «أن الحكومات السابقة قطعت شوطا في دمج المؤسسات وستواصل الحكومة المسيرة بهذا الاتجاه».
ولفت الرزّاز إلى أن الحكومة «ستنظر إلى أثر المؤسسات على خدمة المواطن، مع تأكيده «أنه لن يتم التخلي عن العاملين في هذه المؤسسات وأن الهدف هو تحسين نوعية الأداء والخدمة المقدمة».
واقع المؤسسات المستقلة، أحد ملفات حكومة الدكتور عمر الرزّاز الهامة، التي تحدث عنها بوضوح، وتحدث عن سعي الحكومة لحسم هذا الملف بشكل يضمن ضبط النفقات وتحسين الأداء، ليجعل من شكل القطاع العام مختلفا يخل من تشوهات متراكمة، باتت تتطلب هيكلة تعتمد على الدراسة العلمية المعتمدة على النهج التشاركي وفقا لرئيس الوزراء، والتطبيق التدريجي لنتائجها حتى يتقبلها المعنيون بسهولة بعيدا عن منهجية الفزعة أو الإجراءات الاعتباطية، ولذلك درب واضح بدأت الحكومة بأخذ خطوات جادة بشأنه.