حديث مع تمارا سعيد المفتي في ذكرى وفاة والدها
يصادف يوم غد الأحد، الذكرى التاسعة والعشرون لرحيل رئيس الوزراء الأردني الأسبق، سعيد المفتي.
المفتي، الذي شكل الحكومة الأردنية أربع مرات، ورأس مجلس الأعيان مرتين، عُرف بولائه وأمانته، ونزاهته ومصداقيته. واليوم، في ذكرى وفاته، تتحدث لـ”شرق وغرب” ابنته تمارا بهذه الذكرى عن والدها الذي جمع بين قوة الشخصية والتواضع، وما بين الصرامة والعدل، وتتحدث عن سعيد المفتي الإنسان.
وتقول ابنته في حديثها لـ”شرق وغرب“: يوجد صورة قديمة بالأبيض والأسود لوالدي جالساً في غرفتهِ على كُرسي ذو ذراعينِ، وأنا أقف بجانبه عندما كنت في سن الثالثة أو الرابعة، يحضنني بيده وعلى وحهه ابتسامة مشرقة. هذه أقدم صورة أمتلكها لوالدي وهو في ريعان الشباب كأب”.
وتضيف: “من منظوري كان رجلاً استثنائياً، شديداً بطبعه، طويل القامة، وسيم وفاتن للغاية، يخوض حياته السياسية والعملية خارج المنزل”.
وتتابع: “أتذكر الاحترام العظيم الذي كان يحظى به كلما صادفه عابراً أو تعامل معه، وشعرت دائماً بأنه يشغل منصباً رفيعاً مكرساً حياته له، ولكن بمجرد عودته للمنزل، يعود كأب حنون أركض نحوه بفرحة وسرور”.
وتواصل: “كنت أركض تجاهه متلهفة لأخبره عن مجرى يومي، أخبره عن الشجارات التي خضتها في المدرسة، وحتى كنت أخبره عن لحظاتٍ ظلمني فيها أشقائي الأكبر سناً سواء كانت حقيقية أو من نسج الخيال. وكان يدنو مني مصغياً لحديثي وشكواي”.
وتقول تمارا: “كنت ابنته المدللة كوني آخر العنقود، لدرجة أن أشقائي كانوا يستغلونني كمبعوث يرسلوه لوالدي كلما احتاجوا شيئاً منه، ولم يرفض لي طلباً إطلاقاً”.
وتمضي تمارا في حديثها فتقول: “أتذكر الحماس الذي كان يغمرني كلما خرج مسافراً في رحلاته إلى الخارج، متيقنة أنه سيعود يحمل إلينا بالهدايا ليوزعها علينا واحداً تلو الآخر. كنت انتظر عودته متلهفة ومتشوقة، وكنت أشعر بالفرح الذي يغمره من خلال ابتسامته على ردة فعلي عندما افتح الهدايا التي جلبها لنا”.
وتصمت هنيهة، ثم تقول: “كنت أدرك بأنه أب شركسي تقليدي يهمه الطاعة والاحترام من أولاده. كان مظهره يدل على الصلابة والجدية، مقروناً باللطف ورقة القلب. كانت شخصيته شخصية فذة، متميزة المعالم، وتتقوّم بخصائص ذاتية نسجتها عوالم حياته وحياة آبائه الثرية بالأحداث، كما كان يعيش دوماً هم أمته، لا ينقطع عن التأمل فيها. كان لا يُرى إلا منشغلاً بها، بعيد الغور، شديد الصمت، وكانت له في النفوس هيبة، لا يراه أحد إلا هابه وعظم أمره”.
وتضيف: “كان الأب الذي ألجئ إليه في محنتي وفي ذهني بأنه مرجعي في شتى المناسبات. وعندما يمتنع عني النوم لأسباب مرضية، كان يأتي إلى غرفتي ليغني لي باللغة الشركسية، وكان يعلمني الكلمات التي كان يغنيها والتي لم أستطع لفظها لصعوبتها. أكثر أغنية عالقة في ذهني حتى يومنا هذا كانت أغنية “العروس ستناي”، وهذا بفضله”.
ولا تلبث أن تقول: “لم يكن استجماع هذه الذكريات سهلاً، كونها أحييّت معها الكثير من العواطف، وذكرتني بمدى اشتياقي إليه في حياتي. أفتخر جداً بأن أكون ابنته، وأدرك الآن النعمة التي كنت فيها عندما ترعرعت في ظله، وأدرك روعة إرثه من الصدق والنزاهة والحب المطلق للوطن الأردن. وأتذكر عندما قال لي أنه بعدما سافر حول العالم لم يجد مكاناً أفضل للعيش فيه سوى الأردن”.
شرق وغرب اللندني