باسم سكجها
حين جاءني من قرية حيان في المفرق، كان لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وطلب منّي أن يكون وكيل مجلة “صوت وصورة”، ولمّا كانت المجلة مجانية التوزيع، ومن مصلحتي أن تصل إلى كلّ مكان، وافقت بعد أن شرح لي بأنّه سيوصل الكميات بيده إلى مختلف أنحاء المحافظة …
أعجبت بطريقته الواثقة، وأسلوب عرض نفسه، على الرغم من أنّه كان خريجاً جديداً من الثانوية العامة، وهكذا بدأت علاقة مع عبد الغفور الخوالدة منذ العام ١٩٨٧، وتواصلت مع صحيفتي الأسبوعية “آخر خبر”، التي تحوّلت إلى يومية…
كان يأتي من المفرق يوم الصدور، فيحصل على الكمية المخصصة من النسخ، ويعود بها، وفي وقت قصير صارت تصلني ردود الفعل من أنحاء المنطقة الشاسعة، ومع توقّف الصحيفة انقطع التواصل إلاّ قليلاً، فقد ظلّ يسأل عني باتصال هاتفي بين حين وآخر…
قال لي مرّة إّنه أسس محلاً سمّاه “صوت وصورة” تيمناً بأوّل مؤسسة عمل بها، وقال لي مرّة ثانية أنّه توسّع في أعماله لتصل إلى استيراد مواد يبعها في الأردن واليمن، ولأنّ الشباب هو عنوان العمل الأردني الآن، فأتذكر قصّته معي، وهو إبن قرية، على أطراف الصحراء، فضّل في وقت مبكّر أن يخوض تجربته وحده…
لعلّ عبد الغفور الخوالدة يقترب من الخمسين الآن، وصار أبناؤه الذين يساعدونه في عمله الآن في مثل عمره حين دخل إلى مكتبي أوّل مرّة، ويسعدني أنني عرفت بالصدفة البحتة أنّه بات يمتلك واحدة من المؤسسات المحلية الرائدة في مجال الطاقة الشمسية، وتغطي أعمالها مسافة تبدأ في القطرانة، ولا تنتهي عند الحدود السورية والعراقية!
لا أردّد شعاراً حين أقول “من جدّ وجد”، ولكنّني أعمّم أنّ قصص نجاح شبابنا لا تبدأ وتنتهي ضمن مبادرات الريادة الرسمية التي تحتل عناوين الصحف الآن، وهي مهمّة بالطبع، فالرواد كانوا دائماً بيننا مع قلّتهم، وهم الذي اخترقوا حاجز الصوت منذ زمن بعيد، واحتلوا الصورة أيضاً، وللحديث بقية!