حيرة الإسم بين أصل الإنسان وطبيعة السكان
كتب:أ.د.أحمد ملاعبة والإعلامي أسعد العزوني
على الركن الشمالي للبحر الميت ،تجمعت مساكن وبيع وضيع،على أرض جمعت بين الحجر الرملي الذي يفترش الأرض بلونه الزهري ،في هذه البلدة التي حيّر إسمها باحثي علم الإنسان”الإنثروبولوجيا”وعلم السكان ،إذ أعطى الإسم دلالات أن سكانها قديما يعودون نسبا إلى فرع سام بن نوح،وبعد ذلك مصدر الإسم،وهي رواية لا تتفق مع طبيعة سكان أخدود البحر الميت العظيم،ولعل الأرجح أن الإسم يعود إلى الإبل ،حيث كثرت تربية الإبل في المنطقة منذ مدة طويلة،ولا تزال الشواهد للسماحيك “الإبل”تتجول على الهضاب وفي الأودية وحتى على الطرق الرئيسية ،تحدو حداء يشبه ما سنطلق عليه سيمفونية الحداء والرغاء الجميل، ولكثرة تربية الإبل في هذه البلدة الجميلة ،بدأ أصحابها بوسمها لتمييزها،كي يعرف كل حاد قطيع إبله،وحتى نخرج من هذه الحيرة نترك التسمية معلقة مع تعاطفنا اللغوي والمنهجي مع التفسير الثاني وهو وسم الإبل.
وسم وسوم وسويم ،أسماء أطلقت على هذه البلدة ليتحور مع الزمن ويثبت عند سويمة،تلك المدينة التي إستوطنت من العرب الأقحاح.
من هناك وحيث مطلع الشمس وشروقها،من مادبا وما حولها تنساب أربعة أودية عملاقة ،وقد خطّ كل واد مسربه وهي:وادي الخضرة،ويعرف بوادي الخفرة لشدة خضرة الوادي خصوصا في الربيع،ووادي الطرفة ووادي العظيمي ووادي جعوان أو ما يعرف بخشيم جعوان،وسمي ذلك نسبة إلى البروزات التضاريسية في الوادي خاصة في مقدمته ،ولذلك سمي خشيم تصغيرا ل خشم أو أنف،وجعوان إسم قديم لأحد أهالي المنطقة.
ويأتي وادي الخضرة الذي يلتقي مع وادي الطرفة على مقربة من شمال سويمة عند نقطة التجمع،ويتربع جبل نيبو على الكتف الجنوبي من وادي طرفة،ويفصل بين وادي طرفة ووادي العظيمي خربة المخيط،والتي على كتفها الشمالي يقبع وادي الخضرة ،ويستمر في الإنحدار إلى أن يصب أحد روافده في البحر الميت،وتغوص مياهه في البحر على الطرف الجنوبي من بلدة سويمة،ليشكل مع الأودية الثلاثة السابقة روافد البحر الميت.
يبدو أن الوادي الآخر هو تركيبي بإمتياز ،ويطل بشكل بارز من أطرافه ومنج
رات بلدة ماعين ،ويدل على ذلك تلك الإنفجارات البركانية الضخمة التي تقف راسية بعد بضعة مئات من الأمتار،حيث يقبع حقل سويمة البركاني الذي إكتشفه البروفيسور ملاعبة ،بمجموعة إنفجارات ونحو ثلاثة مخاريط بركانية تتميز بفوهاتها الظاهرة للعيان،ولربما يتساءل البعض أن بازلت سويمة معروف مسبقا،ولكن قصة البازلت وإنسياباته تختلف عن إكتشاف حقل سويمة البركاني المتميز بصخور الخفاف التي تشكل رافدا من روافد البناء والإنشاء والصناعات البازلتية جيولوجيا.
الأودية الأربعة تبدأ من العصر الطباشيري وتغوص في أحشاء الأرض لتصل إلى العصر الكامبري،وتبدو الصخور الرملية بألوانها الجميلة من البني والزهري والأصفر والأسود والرمادي ،وقد توشحت هذه الصخور بشماغ أسمر اللون فرضته الإنسيابات البازلتية المنحدرة من أعلى الوادي حتى تنتهي داخل البحر،ولذلك ترى الطين الأسود الطبي متوفرا في المنطقة بسبب تحلل صخور البازلت بشكل رئيسي وصخور أخرى في المنطقة بشكل ثانوي،داخل مياه البحر الميت ويثبت ذلك البركان الدرعي.
ولربما أن من المفيد القول أن انتشار شجر السلم الذي جلب إلى المنطقة من أمريكا الجنوبية لا يناسب الأودية ولا شواطيء البحر الميت الشرقية الممتدة بين هذه الأودية،والتي أعاقت السواح من التجول أو الجلوس على شواطيء البحر ،كونها شجرة شوكية ذات أغصان كثيفة تتدلى من اعلى الشجرة كطبق فوق طبق إلى أسفلها،مما يمنع الجلوس في ظلها في ظلها او أسفلها.
ولعل من الجدير ذكره أن هناك عصورا جيولوجية قد ظهرت بعد أن تقطعت الأودية وحفرت المياه في مجاريها،مثل صخور العصر البيرمي “PERMIAN”،نسبة إلى مدينة بيرم الروسية ،والذي كان يعتقد أنه غير متواجد في السلم الجيولوجي لتكاوين الصخور في الأردن.
من اللوحات الفنية الجميلة الملفتة للنظر هي الأشجار التي تنمو وتبدو سيقانها بشكل مائل وليس عاموديا،وخصوصا أشجار النخيل المعمرة ،وأيضا أشجار السدر والبطم ،وعلى أرضية الوادي تبسط شجيرات الغظا والعجرم والشيح والقيسوم وإرتام سيقانها.