توالت التحذيرات في الآونة الأخيرة من احتمال استخدام أسلحة كيماوية في سوريا، وسط قلق دولي من العملية العسكرية التي يعتزم النظام السوري إطلاقها لاسترجاع آخر معاقل الفصائل المسلحة في محافظة إدلب، شمالي البلاد.
وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، إن عددا كبيرا من المقاتلين الأجانب يتركزون في إدلب بما في ذلك الآلاف ممن تدرجهم الأمم المتحدة ضمن خانة الإرهابيين مثل عناصر القاعدة، لكن المسؤول الدولي يرى أنه ليس ثمة ما يبرر استخدام أسلحة ثقيلة ضدهم، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية.
ويعزو دي ميستورا رفضه استخدام الأسلحة الكيماوية والثقيلة في إدلب إلى تركز المقاتلين في مناطق ذات كثافة سكانية عالية وبالتالي “تجنب استخدام السلاح الكيماوي أمر جوهري بالتأكيد”.
وأشار دي ميستورا إلى قدرة كل من النظام السوري وجبهة النصرة على تصنيع واستخدام غاز الكلور.
وفي المنحى نفسه، قال وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، إن ثمة محاولات لفبركة هجمات بالكمياوي لأجل تقديم ذريعة التدخل لدول غربية تتهمها دمشق بالتآمر على البلاد.
أما وزارة الدفاع الروسية فقالت، مؤخرا، إن هذه الاستعدادات تمثل دليلا جديدا على خطط الولايات المتحدة لاستغلال “الهجوم الكيماوي” المفبرك الذي يعده مسلحو “هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقا) في محافظة إدلب، بمشاركة نشطة للاستخبارات البريطانية.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قالت، الاثنين، إنها رصدت تعزيزات تقوم بها واشنطن لقواتها في الشرق الأوسط استعدادا لما تخشى موسكو من أن تكون ضربة محتملة توجهها لقوات النظام السوري.
وجاءت الاتهامات الروسية بعدما حذرت واشنطن سوريا من مغبة استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا ونبهت نظام بشار الأسد إلى أنها سترد بشكل مناسب إذا أقدم على هذه الخطوة.
وأضحت إدلب، تطل على الحدود مع تركيا، آخر معقل للفصائل المعارضة بعد طردها تدريجياً من مناطق عدة في البلاد. وأكدت دمشق في الآونة الأخيرة أن تلك المحافظة على قائمة أولوياتها العسكرية.
ويعيش في محافظة إدلب حالياً نحو 2.3 مليون شخص بينهم أكثر من مليون شخص نزحوا من مناطق أخرى مع أعداد كبيرة من المقاتلين الذين رفضوا اتفاقات التسوية التي أبرمتها السلطات السورية مع الفصائل المقاتلة.
ويرجح متابعون إمكانية تنفيذ الحكومة السورية بدعم من موسكو عملية لاستعادة إدلب، وهي من مناطق “خفض التصعيد” التي أقيمت العام الماضي بموجب محادثات جرت بين روسيا وتركيا وإيران.
ويرتقب أن تقتصر العملية العسكرية لدمشق في مرحلة أولى على مناطق في أطراف إدلب، مع الاخذ بعين الاعتبار أن مصير المنطقة مرتبط بتوافق بين روسيا حليفة دمشق وتركيا الداعمة للمعارضة.
“جعجعة بدون طحين”
وعلى الرغم من تبادل الاتهامات بين موسكو، الحليف الأقوى للأسد، وواشنطن، يرى متابعون أن هذه المناكفات لا تغير الشيء الكثير على أرض الواقع على اعتبار أن قوات النظام السوري تقترب من الحسم العسكري على الأرض مع قرعها طبول الحرب في إدلب.
ويقول المقللون من شأن التهديد الأميركي إن الرئيس السابق باراك أوباما سبق له أن اعتبر استخدام الأسلحة الكيماوية بمثابة خط أحمر لكنه لم يعاقب النظام بعد مجزرة غوطة دمشق الشرقية التي راح ضحيتها مئات المدنيين في أغسطس 2013، إذ اكتفت الإدارة الأميركية بترتيب اتفاق لنزع الكيماوي من دمشق.
وبعدما سرت الطمأنة بعدم عودة النظام السوري إلى استخدام الكيماوي مرة أخرى، تكررت المأساة في بلدة خان شيخون بمحافظة إدلب في أبريل الماضي حين لقي عشرات الأشخاص حتفهم في غارة بالكمياوي.
وإثر تلويح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالرد على الأسد الذي وصفه بالحيوان، يرى متابعون أن رد الفعل الأميركي جاء محدودا ومنقذا لماء الوجه فقط، إذ لم يؤد إلى شل المنشآت التي يعتمد عليها النظام في حربه منذ أعوام.
وقبل أشهر قليلة، أخبرت واشنطن فصائل مسلحة في معقلها بالجنوب السوري الذي شهد بداية الأحداث قبل سنوات، أنها لن تقدم دعما أمام عملية دمشق المسنودة بموسكو، وهو ما أسفر عن عودة المنطقة الجنوبية إلى يد النظام.