شخصيات فلسطينية ٤٠
مازن القبج
(1936 – 2001)
كتب : الصحفي هشام عودة
يتفق المتابعون لمسيرة الدراما الإذاعية الأردنية أن “مضافة أبي محمود” تمثل محطة رائدة وإعلانا مبكرا لولادة هذه الدراما وتطورها، ويعود الفضل في ذلك للإذاعي الشهير الذي ظل اسمه “الحاج مازن القبج” وزملائه من الفنانين الرواد، وهي المضافة التي بدأت مع انطلاق الإذاعة الأردنية، وجمعت حولها جمهورا عريضا من المستمعين، في المدينة والريف والبادية، قبل أن يتحول اسمها إلى “مضافة الحاج مازن”، وتنتقل بعد ذلك من الإذاعة إلى التلفزيون.
الجيل الذي رافق جلسات تلك المضافة، وقع في “غرام” أصحابها، وتصرف كأنه يعرفهم عن قرب، بسبب العفوية والبساطة التي خاطبوا من خلالها الجمهور، وهي المضافة التي ناقشت، على مدار سنوات طويلة، مشاكل الناس وهمومهم، وانحازت لقضاياهم الإنسانية.
ربما شكلت تلك المضافة الانطلاقة الحقيقية لنجومية مازن القبج، الذي التحق بالإذاعة عند افتتاحها في العام 1959.
مازن القبج، الذي ظلت كلمة الحاج تسبق اسمه، جاء للإذاعة “حاجا”، فقد أدى فريضة الحج وعمره تسعة عشر عاما، وبدأ مشواره الإذاعي في تقديم البرامج الزراعية التي لاقت اهتماما واسعا من جمهور الفلاحين والمزارعين في الأردن ودول الجوار، خاصة وهو قادم إلى ستوديوهات الإذاعة متسلحا بخبرة علمية اكتسبها من دراسته في معهد خضوري الزراعي بمدينة طولكرم، وعمله مرشدا زراعيا في وزارة الزراعة لأربع سنوات، ظل فيها قريبا من “الأرض الطيبة”، خبيرا بهموم الفلاحين والمزارعين واحتياجاتهم.
وجوده في الإذاعة وعلاقته بالفنانين المحترفين وخبرته الدرامية التي اكتسبها من “مضافته”، دفعت به إلى خشبة المسرح، ممثلا وكاتبا، وصار عضوا في المسرح الأردني منذ وضع الفنان الراحل هاني صنوبر لبناته الأولى.
قد يكون الحاج مازن القبج أكثر الإذاعيين شهرة في تاريخ الإذاعة الأردنية، بسبب طبيعة البرامج التي قدمها عبر أثير الإذاعة، التي استقطبت جمهورا واسعا من مختلف الشرائح والاهتمامات، ولذلك لم يكن مفاجئا أن يحصل على جائزة “اليونسكو” عام 1991 عن برنامجه الزراعي الشهير، وهي المرة الأولى التي تقدم فيها تلك الجائزة للأفراد، بعد أن كانت تقدم للدول، وقد انتبهت نقابة المهندسين الزراعيين في الأردن إلى الدور التثقيفي البارز الذي يقوم به هذا الإذاعي المخضرم، في إرشاد الفلاحين والمزارعين ومخاطبتهم باللهجة المحببة لهم، فذهبت إلى منحه شهادة مهندس زراعي فخرية، اعترافا بدوره وتقديرا لحجم حضوره في حياة الفلاحين الأردنيين.
تشير أوراقه إلى أنه ولد ببلدة عنبتا، الواقعة بين نابلس وطولكرم عام 1936، مع اندلاع شرارة الثورة الفلسطينية الكبرى، ليجد والده شريف القبج معلما ثم مديرا للمدرسة، لكن تداعيات نكبة فلسطين عام 1948 دفعت بعائلته للهجرة الى سورية والإقامة في اللاذقية، لتعود بعد عامين إلى طولكرم، وفيها ينهي دراسته الثانوية.
في الوقت الذي لمع فيه نجم الحاج مازن القبج عبر أثير الإذاعة الأردنية، كان والده عام 1966 يحجز مقعده في البرلمان نائبا عن مدينة طولكرم، في وقت كان فيه “بلدياته” محمد كمال يقود سفينة التلفزيون الأردني، في مرحلة حرجة في الحياة السياسية للأردن والمنطقة العربية.
قد لا يختلف اثنان على دفء صوت الحاج مازن القبج وحجم المساحة التي احتلها في قلوب المستمعين والمشاهدين، لذلك كان طبيعيا أن يحظى بالتكريم الذي يليق به، وقد حصل على وسامي الاستقلال من الدرجتين الثالثة والثانية، ووسام الكوكب من الدرجة الثانية، ومنذ دخل بوابة الإذاعة ذات يوم بعيد من عام 1959 لم يغادرها إلا عند وفاته في حزيران 2001، ليظل على علاقة يومية مع الجمهور لما يزيد على اربعين عاما، ظل فيها نجما قريبا من قلوب الناس.