انجاز-لارا أحمد
لشهر رمضان الكريم خصوصيّة لدى جميع المسلمين في العالم، وله طابعٌ خاص في مختلف الدول الإسلاميّة، يعكس هذا الطابع هوية سكانها وطبيعتهم في هذا الشهر الذي يحلُّ ضيفاً في كل عامٍ من أشهر السنة الهجريّة، قد تتشابه أو تختلف بعض الشيء عن بعضها البعض. البحرين.. تلك الجزيرة الصغيرة، كسائر الدول في هذا العالم تحتفي بشهر رمضان بتقاليد وعاداتٍ تناقلها السكان عبر الأجيال المتعاقبة، حتى أصبحت أعرافاً ومواريث راسخة لدى المجتمع في البحرين، وإن اختلفت بعض الشيء مع تطوّر الزمن واختلاف الأجيال المعاصرة، إلا أن غالبية السُكّان لا يزالون يحنّون إلى الزمن الجميل، بأمنيات عودة عقارب الزمن للوراء ليعيشوا عبق الماضي ولحظاته التاريخية في هذا الشهر الفضيل.
بعد تنهيدة طويلةٍ اختصرت وترجمت مشاعرها، تقول السيدة «أم خالد»، لقد اختلف الوقت في عصرنا الحالي عن زمننا الماضي، رغم التطوّر في شتّى المجالات، ويبقى شهر رمضان في الزمن القديم أفضل وأجمل من وقتنا هذا. وتبدأ «أم خالد» بسرد ذكرياتها مع شهر رمضان في البحرين قديماً، وتفصّل في كيفيّة استعداد الناس لاستقبال هذا الشهر. كنا نذهب قبل أيامٍ من دخول شهر رمضان إلى تُجار الجملة لشراء المؤونة الأساسية في الصباح الباكر، أبرزها الزيت والأرز والدقيق والسكّر وحبوب القمح، والبهارات المختلفة لاستخدامها في الطبخ، ولعدم وجود الثلاجات بكثرة في المنازل، كنا نشتري اللحوم والدواجن والأسماك بشكلٍ يومي لطهيها في نفس اليوم لوجبة الإفطار.
وتضيف، نظراً لاختلاف النظام الغذائي في شهر رمضان واقتصاره على وجبتي الإفطار والسحور، فقد كنا نشتري نوعاً من الأعشاب الطبيعيّة من دكّان «العطّار» يطلق عليها اسم «العشرق – العشرج»، وذلك قبل يومين أو ثلاثة من دخول شهر رمضان، فنقوم بغليها في الماء وشربها دافئة، ووظيفتها تصفية الدم وتنظيف المعدة من كل الأطعمة الزائدة، فيبقى الناس ملازمين لبيوتهم ولا يخرجون بعد تناول هذا المشروب، إذ يجعل من يشربه يحتاج للذهاب لدورة المياه طيلة يومه، ولا يخلو المشهد من المرح والضحك بالتأكيد.
ويُعتبر شهر رمضان قديماً فرصة سانحة للتزاور بين العوائل والأهل والجيران، كما يحلو السهر مع الأصدقاء وتبادل أطراف الحديث والمواعظ. والمشهد الأجمل يكون قبل وقت الإفطار بساعتين أو ثلاث، حيث يشعر الناس بالخمول والكسل طوال اليوم، إلا أن هذه الساعات المتبقيّة قبل الإفطار، يدبُ النشاط في الأحياء والمناطق السكنيّة، من خلال تبادل الأطباق الرمضانية الشهيّة بين أهل المنطقة، فترى فتاةً صغيرةً أو صبيٍّ صغيرٍ يخرج من ذلك المنزل وبين يديه طبقاً بلاستيكيّاً كبيراً، وبه عدداً من الصحون لمختلف الوجبات، كالهريس المعمول من حبوب القمح أو الأرز، أو أنواع الحلويات المنزلية، ليدخل منزلاً آخر ليقدّم لهم ما بين يديه، ولا بدّ له أن يخرج مجدّداً بحملٍ جديدٍ من ذلك المنزل، وهذا ما ينشر الألفة والترابط والتراحم بين الناس. والطرافة في ذلك تكمن في المطالبات باسترجاع الأواني والجدل بين ربّات البيوت قبل انتهاء شهر رمضان. أيام ومواقف جميلة تكاد تكون مجرّد ذكرياتٍ لن تتكرر مع تغيّر الزمان وانحسار أكثر العادات بشكلٍ تدريجيٍ في هذا الزمن الذي يوصف بالمتقدّم – حسب تعبير «أم خالد».
أما «الحاج سلمان» فيستذكر مشهد أهالي المنطقة وهم مجتمعين عند السواحل البحرية لتحرّي رؤية هلال شهر رمضان، وكيف كانت المنافسة بينهم في من يراه أولاً، لصعوبة رؤية الهلال بالعين المجرّدة وعدم وجود الأجهزة الحديثة التي تُسهّل عملية الرؤية.
ويقول «الحاج سلمان»، أعتقد أن شهر رمضان قديماً أفضل من وقتنا الحالي، فلقد كُنا نشعر بحلاوة الصيام حتى في فصل الصيف رغم حرارة الجو وقلّة أجهزة التكييف في المنازل. في الزمن القديم لنا عادات لا زلنا نحاول الحفاظ عليها في شهر رمضان، أبرزها مجالس قراءة القرآن بعد وجبة الإفطار، والزيارات المتبادلة مع الأهل والجيران لتقديم التهاني بمناسبة دخول الشهر الفضيل في الأيام الأولى من شهر رمضان، وتبقى هذه الزيارات ممتدّة طيلة الشهر الكريم. كما كانت تقام المحاضرات الدينيّة والثقافيّة في المساجد والمآتم، ولا زالت العديد من المناطق تحافظ على هذا الطابع العبادي في هذا الشهر.
ويلفت «الحاج سلمان» إلى أنه في الزمن القديم، كان الناس يأخذون قسطاً من النوم قرابة الساعة الحادية عشرة، ويستيقظوا على «صوت قرع الطبل للمسحراتي» في وقتٍ متأخرٍ بعد منتصف الليل المظلم لعدم وجود مصابيح الإنارة في كل المناطق، وهو بمثابة المنبه لأهل المنطقة للاستيقاظ لتناول وجبة السحور قبل أذان الفجر بساعتين أو ثلاث، والاستعداد لبدء يومٍ جديدٍ من الصيام، ولكن في الوقت الحالي أصبح «المسحراتي» جزءاً من الفلوكلور الشعبي أو صورة من الماضي، مع التطور التكنولوجي وانتشار وسائل الترفيه كالتلفاز وأجهزة الموبايل والمجمّعات التجارية وغيرها من هذه الوسائل الحديثة، فأصبح غالبيّة الناس يسهرون حتى الفجر، دون الحاجة لمن ينبّههم إلى وقت السحور أو صلاة الفجر، يضحك «الحاج سلمان» في نهاية حديثه ويقول مودّعاً.. «لكل زمانٍ دولة ورجال»..