طارق مصاروة شكل حالة إعلامية متفردة
عمان – سهير بشناق
أعادني رحيل طارق مصاروة بالأمس، عشرين عاما إلى الوراء، إلى زمن كانت به احلامنا مشروعة لا ينال منها شيء ولا يزيدها تألقاً سوى ثقة بالاتي، فكان الحلم الذي رافقني ان اصبح صحفية وان احيا بين عالم الحروف وأبجديات اللغة فاجد ذاتي واحقق وجودي.
حملت اوراقي وتخطيت بصعوبة مخاوف رافقتني عندما التقيت «ابو علي» للمرة الاولى التي اجري بها مقابلة كمتطلب عملي لصحافة اليرموك، اذكر جيدا ذاك اليوم، هي ليست سوى لحظات حتى تمكن من تبديد مخاوفي لاشعر اني لست امام مجرد كاتب كبير فحسب، بل امام انسان بسيط يضفي على من يجالسه شعورا بالراحة والاطمئنان ويمنحه بذات الوقت القدرة على اكتشاف ذاته والايمان بها، فاشعرني حينها باني لست مجرد طالبة تستعد للتخرج لتبدأ مسيرتها المهنية بل اكثر من ذلك بكثير فكان بكلماته ودعمه لي يزرع بنفسي املا حقيقيا بالاتي كنت بحاجة له في عالم الصحافة الجديد والغريب بالنسبة لي مفاده باني ساصبح صحفية يوما ما.
تجربة جميلة استمرت عامين قضيتها بالعمل مع ابو علي في مجلة الافق تعلمت منه الكثير وكان في كل مرة يغلق باب مكتبه ليكتب مقاله اليومي تنتابني رغبة بطرق باب المكتب لاسأذنه بالجلوس امامه لاتعرف عن قرب كيف يكتب ذاك المقال الذي ينتظره الكثيرون كل يوم من خلال حروفه ولغته البسيطة يغير الكثير من المواقف والآراء والافكار، فيغدو مقاله كوطن لا نختلف على حبه وعشقه وان اختلفنا قليلا حياله.
لا تسعفني كلماتي للتعبير عن قيم كثيرة وخبرة وتجربة تعلمتها برفقة طارق مصاروة منها الاصرار والصبر والخبرة وعشق الوطن الذي كان يحيا به لدرجة كبيرة فالاردن له وطن وقصة حب وتراب يعشقه عشقا لا يتكرر.
كرر ابو علي معي ذات الدعم الذي بدأه لي وانا لا زلت على مقاعد الدراسة الجامعية وكان له الفضل بتحقيق حلم كبير لكل صحفي بان يكون فردا في اسرة فكنت على موعد مع حلم اخر لا اجمل بدعمه و مساعدته لي بالتعين بجريدة «$» التي لا زلت الى الان فردا من اسرتها الكبيرة. واستمر ابو علي بدعمي المتواصل تارة استاذا وتارة اخرى صديقا ومرفأ آمان تارة.
عندما توقف ابو علي عن كتابة مقاله اليومي افتقدت «$» منبرا حرا، افتقدت قلما وعمودا من اعمدة الصحافة لا يتكرر وافتقدت ايضا انا وجوده بالرغم من اني لم اكن التقيه كثيرا الا ان حضوره على صفحات «$» كان يبعث بنفسي شعورا جميلا بوجوده ومكانته
نال المرض منه الكثير، فلم اقو طيلة مرضه على زيارته لربما كنت اضعف بكثير من ان ارى ذاك الشموخ وتلك الملامح متعبة، اضعف من ان ارى تلك اليد التي كانت لزمن مضى تمتلك القدرة على الكتابة عاجزة اليوم مزروعة بشرايينها اجهزة طبية تصله
بالحياة.
احمل بقلبي الما حقيقيا على رحيل ابو علي؛ الم لفقدان استاذ ومعلم وانسان لم يخذلني يوما ما وصديق لي ولاسرتي رافقنا سنوات طويلة لم تغادرني ذكراها ابدا رحمك االله ابو علي فانت لم تكن لي سوى قيمة كبيرة لا تزال ذكراها بنفسي، اختزن بذاكرتي كل ما هو جميل بها لاني اعلم جيدا ان قيمتك لن تغيب، وان مكانتك ككاتب كبير ستبقى حاضرة يعلمها جيدا ابناء وبنات جريدة الرأي الذين تعرفوا عليك عن قرب و تعلموا منك الكثير، حاضر انت ابا علي وان رحلت.