عايد العضايلة الأردني الكركي، النَّقي المُهاب، كريم النفس، ورضيّ الوالدين الذي أبكى الرجال قبل الحرائر برحيله، وأوجع كلَّ مَن عرفه بفقدانه، وناحت عليه أقداح الكرم، وروائح الخير في كلِّ إكرام لضيف حلَّ في بيته، أو ملهوف لجأ ذات ضيق حال أو حاجة. فطهر المنشأ ونُبل المآل؛ حرّراهُ وكل أهله وإخوته وذويه من كل خطأ أو خطيئة حتى غدا الهيل نظيراً لسيرته، والنبل موازياً لسريرته.
الكرك التي صنعت بين الكاف والكاف رايات اعتلاها كبار القادة، ورجال الدولة، وقوافل الشهداء وأبا صايل كان في مقدمة الصفوف التي أنبتت طهراً ونصرة للوطن والأمة من المحيط إلى الخليج عملاً وصوتاً صادحاً بالحق وأمنيات مفعمة بالدعاء لوطن هو بين الرمش والعين منه ومنا؛ فكان عين الوطن، وموضع ثقة القائد ومناط أمل الشعب وممثله الأمين غير ذي مرة.
رحل نصير الفقراء والمعوزين واستبقى أمّاً صابرة شامخة شموخ قلعة الكرك ومؤمنة بالله ايمان الصابرات القانتات؛ ربّت فأحسنت، ونذرت للوطن فلذات كبدها الأخيار قادة وجنوداً ورجال دولة في السياسة والجيش والإعلام ، رحل الصديق الصدوق، والدمث الخلوق والسيرة الباسقة في سماء الوطن قيمة وقامة. رحل أبا صايل وأبقى لنا الدمع المراق، والذكرى النّديّة التي لن تحوي أبداً ما يكدر الخاطر أو يعكر الصفو سوى الحنين وألم الفراق الذي لا يندمل.
عايد العضايلة أول السطر في سفر النبلاء وهو من القلائل الذين يصعب أن تجد لهم خصوماً او نظيراً؛ لأنّهُ شيخ الزهد، وموئل الطهر، ومناط العفة والعنفوان والرفيع عن مرامي الزَّلل ومواضع الخلل حتى غدا شامة من شامات الكرك الماثلة في سماء الوطن من أقصاه إلى أقصاه.
أنا ابن الكرك التاريخ المحب لأهلها والتي تعلمت وتربيت فيها رغم فخري الذي لا يُوارى بأنني ولدت في ظلال الشيح في بادية الوطن الشرقية، في الكرك عايشت بوضوح كيف تمتزج الكرامة بالكرم، والعشق بالنبل، والعنفوان بالوفاء، والسياسة بالوطنية، في الكرك عرفت المرحوم ذات عزاء أكرمني بوفاء وكرم لا يجارى وبحديثه العذب استحضرت قناعتي الأبدية لماذا كانت الكرك على الدوام بوابة الديمقراطية واحد الروافع الأساسية للهويّة الوطنية؟.
رحل السياسي الأنيق، والقومي الملتزم، ورجل الدولة المؤدب الذي لم يزده الموقع العام إلا أدباً وتواضعاً وهي صفة اقتفى أثره فيها أشقائه النبلاء فكانوا جميعاً ملح الأرض، ونكهة الأخلاق الأردنية الأصيلة.
رحل عايد الوفي وذكراه راسخة في ضمائرنا، وسجاياه دروس نربي عليها أبناءنا في كل مقام، وفي حضرة الموت الذي هو قدر الإنسانية جمعاء لا نملك سوى الترحّم على روحه الطاهرة، والعزاء لأهله وأشقائه وذويه ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.