الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي يكتب:كان جهاز الأمن العام قبل الثمانينات كطفلٍ يتيم، يبحث عن يدٍ حانية تمسك به وتدلّه على الطريق. بُني من الأحلام الصغيرة، وأُلقي في معترك الحياة بلا أدواتٍ ولا قوة. كانت مراكز الشرطة أشبه بخيامٍ بالية، ومخافر القرى تئنّ تحت وطأة النسيان، وسياراتهم تشكو تعب السنين، أما الاتصالات، فكانت همسًا لا يصل حتى إلى أقرب المسافات.
ثم جاء المرحوم بإذن الله تعالى عبدالهادي باشا المجالي، كأنه ريحٌ عاتية حملت معها الثورة والبناء. كانت عينه على كل زاوية في الجهاز، فرفع الأبنية التي لامست السماء، ووضع في النفوس بذور العلم والانضباط. لم يكن يرضى بالقليل، ولم يعرف معنى التراجع. كان يرى في كل شرطي مشروعَ قائد، وفي كل مبنى ميدانًا للحياة.
خلال سنواتٍ معدودات، أطلق الجهاز من قيده، وفتح له أبواب العصر. لكنه، وبعد أن غاب الباشا، بقيَّ الجهاز على ما تركه الباشا عليه، كالطائر الذي فقد جناحه. توقفت عجلة التطوير، وبات التغيير يقتصر على مظاهر سطحية لا تصل إلى العمق مثل تبديل السيارات للمدراء والقادة .
اليوم، نقف في صمتٍ ننتظر معجزة جديدة. أين المستشفى الذي يحلم به الشرطي ، وأين المزارع التي تُحيي الأراضي الميتة التي يملكها هذا الجهاز ؟ أين المشاريع الكبرى التي تجعل من الجهاز قوة إنتاجٍ لا استهلاك مثل الفنادق والمولات وشركات الإتصالات والجامعات التي تخلق فرص عمل للمتقاعدين من هذا الجهاز والذين صاروا يخرجون في مظاهرات بالشوارع يطالبون فيها بتحسين أوضاعهم المعيشية وزيادات على رواتبهم او تقديم آجال قروضهم السكنية التي صار عرفا أن المستفيد منها يأتي دوره بعد وفاته ؟
أُحب أن أتصور لو أن هناك مدراء للجهاز كانوا من أمثال عبدالهادي باشا أتوا بعده ، كيف كانوا سيُعيدوا النبض في هذا الجسد الراكد منذ 34 عاما . ولكن الزمن يا صديقي لا يعيد نفسه، والرجال العظام لا تُكررهم الحياة إلا نادرًا.
فهل ينتظر الجهاز معجزة أخرى؟ أم ينتظر رجالاً يُدركون أن التغيير يبدأ من فكرة، ويُصنع بإرادة لا تلين؟ نسأل الله أن يرحم عبدالهادي باشا المجالي وأن ييسر لهذا الجهاز عبدالهادي أخر ينفع به الوطن والمواطن .