– ثمة عالم من الزعتر البري يسكن روح البلد. ثمة جيش يروي حكايا السوسنة السوداء منذ أكثر من ألف قصيدة وقصيدة.
هنا سيخطو المشير الركن فتحي محمد أبو طالب خطوته الأولى، قبل أن ينيخ راحلته ويغفو قليلاً، في الثالثة والسبعين من قطاره الأخير. فبعد أن قال الكلام كله، رحل.
في وادي السير. هناك، حيث سيحكي عرار بعضاً من حكاياه سيخطو أبو طالب خطوته الأولى. وضحكته الأولى. وكلمته الأولى.
وعلى بعد جبل وربما أكثر، سيزرع بعض الوردة في مدارس عمان. ومنذ ذلك الوقت سينشر في دمه جنودا من ضلوعه يحرسون سياج القلب حتى يكون عمانيّاً، كمطر خفيف في يوم تشريني، وشماليّاً مثل سهل لا نهائي من السنابل، وجنوبيّاً كما حارس الشمس والياسمين.
لن يطيل المكوث طويلا، فما أن يتخرج أبو طالب من ‘كتيبة المدرسة الثانوية’ في عمان عام 1954م، سيلتحق بسلاح الدروع، وما أدراك ما سلاح الدروع. هناك سيحفر في صحراء الشام وطنا من لحم ودم، ويدير نيران حبه للأرض ذخائر من عز يتسلح هو بها ويتسلح معه جنود سمر السواعد، بيض القلوب، حمر العزائم.
منذ ذلك الوقت سيبدأ المشير الركن أبو طالب بالصعود في القيادة نجمة نجمة، حتى يسكن غيمة تطل على عَلَم يخفق فوق سارية باسقة.
في الميدان، وفوق صخور الصحراء السمر، والرمال المشتاقة لوقع أقدام أبنائها فوقها، سيظهر أبو طالب قائد فصيل، ثم قائد فرقة مدرعة، وضابط ركن بالقيادات الميدانية والقيادة العامة.
‘كان سوسنة سوداء تحكي حكايتها بصمت’ هكذا يصفه رفاقه. حسناً، في الحقيقة سيبدأ اسم ابو طالب بالتمدد تدريجيا في سماء الوطن، مثل طائر سيغترب، منذ العام 1970م، عندما يعيّن مساعدًا للملحق الدفاعي الأردني في لندن، ثم ملحقًا دفاعيًا للمملكة الأردنية في واشنطن بين عامي 1971 و1974م.
وكما الطائر الوردي السينائي، لن يطيل المكوث طويلا في الغربة. وكيف يطيل، وذاك الزمن الجميل الذي كانت فيه عمان أنقى وأجمل وأبهى، فما هي إلا أربع سنوات حتى يعود من بلاد العالم الجديد ليعين مديرًا للاستخبارات العسكرية، ثم قائدًا لفرقة مدرعة، فمساعدًا لرئيس هيئة الأركان للاستخبارات ثم رئيسا لهيئة الأركان المشتركة عام 1981م خلفًا للأمير الراحل زيد بن شاكر.
ولأن عمان أمّ. سيعود إليها بعد غياب، وبعد ان طاف أرض الوطن شبرا شبرا جنديا، أدناه قائدا فكان. ففي عام 2003م سيعين أبو طالب عضوا في جناح الملك ‘مجلس الاعيان’ في مجلس الأمة في دورتيه الحادية والعشرين والثانية والعشرين، لتنتهي عضويته بحل مجلس الأعيان الثاني والعشرين في 25 نوفمبر 2010م.
وفي يوم الخميس 3/11/2016م، الموافق الـ 73 عاما من الدنيا، سينعى إخوة السلاح في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأسبق، أبو طالب.
سينعونه وربما قالوا له: إنْ استرح الآن فقد ‘كفيت ووفيت’.
– لقمان إسكندر