تحالف العجز والفقر يثخنان أسرة أم علي معاناة
– بين حارات ماركا الجنوبية، تقبع عائلة عفيفة في منزل مستأجر لا يسمع فيه سوى صدى أصوات ألم ممزوجة بالضنك والضيق.
في هذا البيت تحاول الثلاثينية أم علي(اسم مستعار) أن تمسح دموعها التي انهمرت ضيقا وغضبا على واقع فقر مدقع داهم أسرتها منذ سنوات، بعد أن أصيب معيلها الوحيد بإصابة عمل حولته في لحظة الى إنسان عاجز عن الحركة، بنسبة وصلت إلى نحو 80 %، بحسب التقارير الرسمية الصادرة عن اللجان الطبية المركزية.
وفي كل صباح، تضع أم علي يديها على وجه ابنتها الشاحب ذات الـ13 ربيعا، التي تعاني هي الأخرى من شلل دماغي وتشجنات عصبية أصيبت بها منذ أن دوت صرخة الميلاد الأولى من حنجرتها.
ومنذ ذلك الحين، تحاول ام علي أن تجد لابنتها علاجا، لكن طبيعة هذا المرض ما زالت مستعصية على الطب، حيث يكتفي الأطباء في مستشفى البشير بوصف أدوية منتظمة لطفلتها على أن تتم “متابعة حالتها وعلاجاتها في المستشفى”.
ورغم أن تلك الأدوية مجانية للطفلة براء(اسم مستعار) من وزارة الصحة، الا ان احتياجاتها اليومية من فوط صحية خاصة، ووجبات طعام، تفوق ميزانية خصصها صندوق المعونة الوطنية لها بقيمة 40 دينارا شهريا، بعد ان انضمت الى قائمة الأشخاص ذوي الإعاقة.
“صح بنتي ما بتشوف بعينها وعندها ضمور بعقلها، لكن ابتسامتها الحلوة بتخفف عني همي”.. تقول أم علي بحرقة شديده لـ”الغد”.
وفي هذا البرد القارس، تحبو براء كطفلة صغيرة على أرضية منزلها الباردة، حيث لا سجاد دافئ يعلو البلاط ولا خزانة خشبية لوضع ملابسها المهترئة، بل يتم تكديسها في حقائب بلاستيكية حتى لا تتسرب اليها الرطوبة ومياه الأمطار.
وبحسب قول والدتها، لا وجود لحرامات الصوف في الشتاء، ولا مدفأة، مضيفة: “جارتي حزنت علينا وأعطتنا فرشتين وحراما بعد أن متنا من البرد، والله الشكوى لغير الله مذلة”. وأما عند غسيل ملابسهم اليومية فتجلس الأم القرفصاء على “لجن” بلاستيكي.
“كل ما أفكر بالشغل لتحسين دخلنا الشهري، تقيدني ابنتي براء، فمن سيعتني بها خلال فترة غيابي، فقد تعودت على وجودي بجانبها” وفق الأم التي قالت: “حتى والدها رغم عجزه يحاول باستمرار ان يبحث عن عمل، وقد يجمع بضعة دنانير لسد رمق أولاده، لكنه يشتغل يوما، وينتظر عشرة أيام بلا عمل”.
ولا تقف معاناة الأسرة عند حدود الفقر، فقد تحدثت أم علي بإسهاب عن معاناتها التي شملت “تهديدات من صاحب الشقة بطردها بسبب تراكم ايجار منزلها الذي وصل إلى نحو 240 دينارا”.
وتنهي حديثها بفصول أخرى من الضيق، عندما شجعت ابنتها الثانية (البكر) ذات الـ15 عاما على ترك مدرستها الحكومية مع أنها متفوقة، لكن العجز عن توفير احتياجاتها المدرسية تجعلها تفكر جديا بهذا الأمر.