بقلم صالح عبدالكريم عربيات
حين تذهب لحضور مناسبة اجتماعية تتفاجأ انك الوحيد في هذا البلد، وربما معك 17 مواطنا فقط مش شيوخ..
كنّا قد اجتمعنا قبل فترة في جاهة لطلب يد (عروس) لأحد الاصدقاء، وكان يقف الى يميني عشرة أشخاص والى شمالي عشرة مثلهم، ومن خلفي عشرة ومن أمامي عشرة، وحين دخل كبير الجاهة بدأ مَن حولي ينادون بعضهم: تفضل شيخ، لا والله غير انت ياشيخ، ما بتعدى عليك يا شيخ، المهم دخل الشيوخ جميعهم وما ظل غير أنا في الشارع.. فدخلت من دون أن يقول لي أي أحد حتى تفضل يا (زفت)!!
ذهبنا في زيارة لاحد المرضى واثناء جلوسنا كان الجميع يمسون على بعضهم، يمسيك بالخير يا شيخ، شلونك شيخ، وين علومك يا شيخ، وبما أن القعدة كلها (شيوخ)، اضطررت كوني الوحيد الْـ مش شيخ أن أنهض من مكاني لأصب لهم جميعا قهوة والمصيبة انهم جميعا قالوا لي: (ثني) يا ولد !!
نظرا لطبيعة عملي فانني أذهب عادة للمشاركة في الندوات الحوارية، وأمنية حياتي حتى اليوم أن يصلني الدور لأبدي رايي او ان اسأل المحاضر؟! ولأن من يدير الندوة عادة ما يبدأ بالشيوخ، سؤالك شيخ، رأيك شيخ ، تفضل شيخ ، وحين ينتهي من الشيوخ ينتهي وقت المحاضرة فلا يسمح لنا بابداء الرأي او حتى السؤال.
حين تتم دعوتك الى وليمة، وتتهيأ لافتراس المنسف، تنصدم ـ حين تحضر ـ بان تصنيفك ما زال (طورة ثالثة) من كثرة (الشيوخ) فلا ينالك من حضور الوليمة الا (مخ) الرأس، نظرا لأن الشيوخ هم من لهم اللحم والهبر ونحن من لنا المخ والصبر!!
حسب معلوماتي أن الشيخ ينسج عباءته بخيوط الحكمة، والكرم، والصبر، والشجاعة، ومواقف الرجال الرجال، والرأي السديد، وناره التي لا تنطفئ ، وقهوته التي لا تبرد، وباب منزله الذي لا يغلق، وفك النشب، وحماية الدخيل، والفزعة، والنخوة، والكلمة التي لا يثنّيها، والعدل، والمشورة، والتسامح، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس..
لذلك وفي وقت من الاوقات كانت تلبية الحصول على جائزة نوبل أسهل بكثير من تلبية متطلبات الحصول على لقب شيخ في الاردن..
كيف أصبحت (شيخا) ؟!! وانت خيال (الكيا) ولم تركب (حمارا) في حياتك، كيف أصبحت (شيخا) ؟! وكرمك لم يتعد حتى اليوم (طير دجاج) ؟!! كيف أصبحت شيخا ؟! ولم تستطع أن توّفق بين أبنائك ؟! كيف أصبحت (شيخا) ؟! والوصول الى (تورا بورا) أسهل من الوصول الى منزلك ؟! ، كيف أصبحت (شيخا) ؟!! وحين نريد فزعتك هاتفك دائما لا يمكن الاتصال به، وحين نريد شجاعتك، دايما (مرشح)، وحين نريد مشورتك، تعطينا حلا يصلح لاهل الصين والهند ولا يصلح أبدا لأهل الاردن..
لست قلقا على بلدي من تدفق اللاجئين، مثلما أنا قلق عليه من تدفق هذا المرض النفساني الذي بات ينخر بنية المجتمع الاردني..
اخجلوا على أنفسكم، واتركوا الحكمة لاهل الحكمة.. والشيخة لاهل الشيخة، والفزعة لاهل الفزعة، فالوطن مازال يعاني من أردى فعايل (الفاسدين) ولا ينقصه أردى فعايل (المنافقين) !!