«انشغلت يوماً بتدريس ابنتي.. فأعطيت ابني البالغ الرابعة من العمر هاتفي المحمول كي يشاهد الأفلام المتحركة من خلاله.. وهو بطبيعة الحال لشغفه «بسبايدر مان وبات مان وفروزن» ينجذب الى كل الفيديوهات المتعلقة به.. لكنني للأسف تفاجأت ان هذه الفيديوهات تحوي مشاهد لا تليق بعمره».. قصة ترويها الثلاثينية «أم أكرم درابكة» ل «أبواب-الرأي».
أكملت قصتها بالقول: «عندما دققت أكثر بما تحتويه هذه الفيديوهات ايقنت بأن بعض التصرفات العدوانية التي يتصرف بها ابني يكتسبها مما يراه من هذه الفيديوهات، ونظراً لأهمية هذه الشخصيات الكرتونية بالنسبة له فإنه يقتدي بها ويقلد كل ما يراه منها».
هذه القصة ليست غريبة على كثير من الأمهات اللاتي يشغلن أبناءهن بمتابعة أفلام الرسوم المتحركة لافساح المجال أمامهن لتكملة الاعمال المترتبة عليهن، وهن مطمئنات لما يشاهدونه أبناؤهن بما يناسب أعمارهم الا ان هذه الفيديوهات غيرت آراءهن بشكل كلي.
معاناة الاهل
وتقول ربة المنزل «أم رأفت روابدة»: «ان اليوتيوب تم تصميمه ليكون موجهاً للكبار، وليس للصغار، فالعمر الأدنى المسموح به لاستخدام اليوتيوب من إدارة
اليوتيوب نفسها هو 13 سنة، ولذلك فإن هذا الكم الهائل من المحتوى الموجه للأطفال محاط بمحتوى أكبر وأضخم منه موجها للكبار، بما في ذلك كم كبير من المواد التي لا تصلح للأطفال ولها تأثير سلبي عليهم، مثل مقاطع الفيديو التي تعرض معتقدات غريبة، ومحتوى يروج لاستخدام المخدرات أو الكحول، أو التدخين، المحتوى الذي يروج للعنف، وغيرها الكثير».
وتابعت «أم رأفت»: «بالتالي فإنني حاولت جاهدة لأن أمنع ابني من مشاهدة الفيديوهات على اليوتيوب ولكن دون جدوى وعمدت على تنزيل برنامج Youtube kids أملا بأنه يناسب ابني بشكل أكبر».
ويلفت رب الأسرة «أمجد كيلاني» الى ان اليوتيوب أصبح من مصادر المعرفة التي لا يستهان بها، واختصر الكثير من المعرفة للأطفال، وبإمكانهم الآن أن يصبحوا محترفين ومتقدمين في الكثير من الفنون وهم لا يزالون في سن مبكرة، فهناك عالم ضخم من المعرفة المهولة على بعد لمسة اصبع، وبالتالي لا يمكن للوالدين حظر استخدامه بشكل كلي وانما يحتاج لمراقبتهم بشكل أكبر.
ولا يقف الموضوع عند الأفلام المتحركة التي يشاهدونها الأطفال على اليوتيوب.. انما يتعدى ذلك الى تلك التي يشاهدونها على شاشة التلفاز.
وعن ذلك تتحدث والدة 3 أبناء «أسماء خالد» وتقارن ما بين أفلام الرسومات المتحركة التي كانت تشاهدها وهي طفلة.. والأفلام التي يتابعها أبناؤها في
الفترة الحالية، اذ قالت: «ان الأفلام التي كنا نتابعها في صغرنا، كانت هادفة مسلية تبث السلام والاطمئنان وتعلّم الحنان أما الحالية فأكثرها يعلم العنف
والكراهية حتى ان طريقة الكلام مزعجة وبعض منها لا تتكلم شخصياتها بلغة عربية سليمة مما يعلّم الأطفال لغة عربية ركيكة بالاضافة الى التصرفات غير الصحيحة وتوجههم الى القتال والكراهية».
أثر التكنولوجيا على تنشئة الطفل
وعن هذه المشكلة قال رئيس قسم العلوم الانسانية والاجتماعية في الجامعة
الهاشمية «د.يحيى العلي»: «ان التنشئة الاجتماعية من الوظائف الرئيسية
على الأسرة، بجانب المؤسسات الداعمة لهذه التنشئة من المدرسة ورياض الأطفال والأقارب ووسائل الاعلام التي لا تقل أهمية عن تأثير الأسرة على الطفل».
وتابع «العلي»: «كما وأثبتت الدراسات ان الأفلام التي يشاهدها الطفل وما يلعبه من ألعاب الكترونية تؤثر بشكل كبير على تنشئته، ولوحظ على الأطفال الذين يقومون بتصرفات عدوانية بأنهم يرونها من خلال وسائل الاعلام المختلفة ويحاكونها».
وبين «العلي» بالقول: «تتشكل شخصية الطفل وتكوينه في فترة ما قبل المدرسة ويتعلم الكلام والقيم وبها يتعرف على ذاته، وهنا اذا لم تأخذ المسلسلات والأفلام الكرتونية عادات المشاهد والمجتمع وقيمه بعين الاعتبار وحتى أحيانا اذا لم تراعي الناحية القانونية فيها ولا تعلمه سيؤدي الى قبول هذه التصرفات من الطفل وتقنعه بمحاكاة هذه التصرفات على مستوى تفكيره».
ولفت العلي الى ان هذه المسلسلات والأفلام تعد شريحة بأفكار ورسائل وتأثيرها لا يقل أهمية عن تأثير مؤسسات أخرى.
وما يتم عرضه على وسائل الاعلام المختلفة هام جداً صياغة وتشكيلا ويجب ان يكون هناك رقابة والديه على البرامج والرسائل التي ترسلها وتراقب ما يشاهده الابناء وبالأخص في العمر الذي يقل عن 13 عاما في الساعات التي يقضونها أمام شاشات التلفاز أو على الأجهزة الذكية من أجهزة خلوية ولوحية وغيرها، وأن يبقى هناك مرافق له من أحد أفراد الأسرة لأن أي سلوك يراه سيحاكيه وبالتالي لا بد من وجود من يصحح له أية معلومة خاطئة أو غير مناسبة لثقافتنا، أو يعلمه المفاهيم ودلالتها ويوجهه ويوضح له ما يرى ولا يتركه لوحده لأنه سيؤثر على بنائه ومفاهيمه.
حلول وقائية
لكل مشكلة حلول عدة.. وعنها كشف المستشار التقني في احدى الشركات الخاصة «مايكل صايغ» بعضها بالقول: «يعتبر موقع اليوتيوب من أكبر المواقع العالمية اذ يحتل المركز الثالث بعد محرك البحث العالمي جوجل وموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، وهو منذ تأسيس موقع يوتيوب عام 2005 الى يومنا هذا أحدث ثورة بعالم الانترنت فقد استطاع ان يدخل الى عدد كبير من البيوت بسبب سهوله الفيديوهات التي يبحث عنها اي شخص عن طريق عملية البحث البسيطة الموجودة في الموقع». وتابع «صايغ»: «ساهم موقع اليوتيوب بظهور عدد كبير من المشاهير في العالم والوطن العربي بسبب امكانية اي شخص رفع اي فيديو مجانا مما ادى الى وجود عدد هائل من الفيديوهات.
ومع هذا الكم الهائل من الفيديوهات التي تحتوي على ما يبحث عنه المشاهد بسهولة، يقابله قلق كبير من قبل الأهالي بسبب سهولة وصول أطفالهم الى أي فيديو وعدم القدرة على مراقبتهم خصوصا مع تنوع الاجهزة مثل المحمولة والحاسب وغيره».
وليتمكن الأهل من مراقبة أبنائهم ومنع هذه الفيديوهات من الوصول الى اطفالهم يصرح «صايغ»: « وذلك من خلال تطبيق YOUTUBE’S SAFETY MODE(PARENTAL CONTROLS) اذ تمكن هذه الخاصية الأهل من التحكم بمحتويات الموقع التي تظهر وفي حال ظهور او البحث عن محتوى
غير مناسب للاطفال يقوم الموقع بطلب الكلمة السرية ليتمكن الشخص من مشاهدة ما قام بالبحث عنه». ولتفعيل هذه الخاصية يبين «صايغ» قائلا: «بعد تسجيل الدخول في الموقع اذهب لأسفل الصفحة الرئيسية حيث يوجد اعدادات الصفحة مثل اللغة والبلد وتقييد المحتوى، قم بتشغيل خيار تقييد المحتوى من خلال حسابك الشخصي على اي متصفح».
ويكمل «صايغ»: «في حال استخدام اي متصفح للانترنت يجب تفعيل خاصية تقييد المحتوى لانها تعمل على المتصفح وليس حساب اليوتيوب، وفي كل مرة يتم استخدام حساب جديد للبحث عن اي شيء في موقع اليوتيوب يتم طلب الكلمة السرية لحساب الشخص الذي قام بتفعيل هذه الخاصية لأنها تعمل على المتصفح وليس على الحساب».