إياد الوقفي يكتب :
تشكل الأحزاب السياسية العمود الفقري وحجر الأساس لأي بنيان ديمقراطي، ودون هذه الأطر أو التجمعات السياسية التي تجمع أفرادا متقاربين في وجهات النظر، يتعذر ولوج الدولة إلى حالة مدنية متقدمة، في ظل شيوع أنماط انتخابية تقليدية بين الناخبين، أثبتت عجزها في التعاطي مع الواقع وأفرزت نوابا غير مؤهلين، ما أدى إلى خلل بنيوي هزّ كيان العمل التشريعي نجم عنه تغول أبلج من السلطة التنفيذية على التشريعية.
وفي سبيل مواجهة الوهن ومعالجة الخلل الذي أصاب العمل التشريعي، شُكلت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، واجتهدت اللجنة بمشاركة عدد من الفعاليات في صياغة وإعداد توصيات غير مسبوقة، وضعت حجر الزاوية ايذانا ببدء انطلاق العمل الحزبي بعد أن مر بمراحله الدستورية، وبدء مرحلة سياسية جديدة تسير في البلاد نحو الدمقرطة وشرعنتها عبر قانون أحزاب جديد، انتخب بموجبه مترشحون في قوائم حزبية بغية صياغة مفاهيم وقيم جديدة للعمل البرلماني تفرز نوابا ذو خلفيات حزبية.
واقع الحال جاء بما لا تشتهي سفن مخرجات اللجنة، ما قاد رئيسها في وقت سابق إلى انكماش تفاؤله استنادا إلى ما جرى على أرض الواقع، مما أثار علامات استفهام عديدة حينها، اذ جاءت مغايرة لقراءات نخب سياسية راهنت على أحزاب سياسية وليدة بعينها في حصد النصيب الأكبر لعدد نوابها، وهذا ما لم يحدث.
وكما توقع البعض من خارج أصحاب الهوى، نجح نواب جبهة العمل الإسلامي في تخطي حاجز توقعات بعض النخب في الانتخابات النيابية الأخيرة، ف “الاخوان” على مدى سني ماضية تفردوا في المشهد السياسي واستحوذوا على دعم مباشر من الدولة، لمواجهة مد الأحزاب العقائدية واليسارية في وقت سابق، وشكل “الاسلاميون” مع الدولة ثنائية وجدار متحجرا لمنع تمددها، والمفارقة أن بعضا ممن يعتبرون أنفسهم الأقرب إلى نبض وفكر الدولة خابت تقديراتهم بعد أن عجزت الأحزاب الجديدة في مواجهة المد الإخواني عبر ذراعه السياسي جبهة العمل الإسلامي.
في قراءة موضوعية فإن استئثار نواب جبهة العمل الاسلامي في الحصة الأكبر من أصوات مجاميع الناخبين، نقطة تسجل للدولة، وهي نتاج طبيعي في أن يقطف التيار الإسلامي آلاف أصوات الناخبين، فهم كانوا اللاعب الأوحد في خارطة العمل الحزبي، بعد أن احتضنتهم الدولة وباتت تمثل الرقم الأصعب كتنظيم سياسي متجذر يصعب مقارعته من قبل تيارات حديثة العهد.
تيار يحظى بدعم شعبي على امتداد خارطة الوطن، الأصل أن لا يدخل في مغامرات غير محسوبة، ويعرف حده في عدم الدخول في حلبة التنافس مع الدولة، فهو أي “التيار” ان أحسن العمل وانتصر إلى صوت العقل يكون ذراع الدولة الأيمن بعيدا عن فكرة الندية الواهنة، وأن يستمر في المضي قدما إلى ما اعتاد عليه دون أن تأخذه العزة بالإثم، فالشعبية الواسعة التي يتمتع بها هي صنيعة الدولة نفسها تنزع عنه الغطاء وقت تشاء، ولا يجوز تحت أي باب أن يشب عن الطوق.
في نهاية الأمر، الأردن دولة قانون ومؤسسات، والبلاد اليوم أحوج ما تكون إلى الابتعاد عن المصالح الذاتية الضيقة، وتعظيم القيم الوطنية، ف “التنظيم” مهما علا شأنه يبقى نقطة في بحر الوطن، ان قفز من سفينته ابتلعته أمواج عاتية لا تبقي ولا تذر، ألف باء العمل الحزبي الإيمان بقيم الحوار والاشتباك الإيجابي مع مؤسسات الدولة وجميع القوى السياسية، لأن في ذلك مد لجسور الثقة والوصول إلى نتائج قيّمة ذات معنى، في ما إغلاق الباب أمام لغة الحوار والمحاججة من شأنه الانكفاء والتقهقر ويثير في النفس مزيدا من الريبة والشك.