لا يوجد موظف ضعيف بل مدير ضعيف
د. هيثم علي حجازي
أقر مجلس الوزراء يوم الاثنين الماضي نظاما معدلا لنظام الخدمة المدنية لسنة 2018 وقد جاء التعديل كما اعلن وزير الادولة لشؤون الاعلام ‘بهدف رفع كفاءة العمل في الدوائر الحكومية والارتقاء بالاداء العام للموظف، وإعادة مراجعة منظومة إدارة وتقييم الأداء بما يحقق مفهوم منحنى التوزيع الطبيعي ويعززه’ . وبهذا الصدد أود عرض الملاحظات التالية:
1.إن التوجه نحو استخدام منحنى التوزيع الطبيعي في عملية تقييم أداء الموظفين قد انتهى العمل به منذ سنوات سبعينات القرن الماضي في غالبية دول العالم، وبخاصة تلك الدول التي بلغت مستوى متقدما من الأداء الإداري، بعد ان توصلت الى ان هذا النظام لا يحقق العدالة بين الموظفين
2.إن من بين واجبات المدير القائد / القائد الإداري ونحن في الألفية الثالثة أن لا يكون لديه موظف ضعيف، بل من واجبه الأخذ بيد موظفيه، وإرشادهم وتطويرهم، وبحيث يتصف أداء جميع المرؤوسين لديه بالأداء العالي. وبالتالي، فإن وجود أي موظف اتسم أداؤه بالضعف انما يكون ذلك نتيجة ضعف المدير في إدارة الجهة المسؤول عنها أيا كان مستواها، وفي ادارة الموارد البشرية المسؤول عنها
3.إن تقييم الأداء يجب أن يكون بهدف التحسين والتطوير، والحكم على الموظف بهدف اتخاذ قرار ما بشأنه؛ بمعنى معرفة جوانب الضعف الموجودة لدى هذا الموظف وتدريبه واكسابه المهارات والمعارف اللازمة لتحسين مستوى أدائه، أو ترقيته، او نقله الى وظيفة أخرى داخل المؤسسة أو إلى مؤسسة أخرى، أو أي قرار آخر باستثناء قرار ‘طرده’ من العمل كما أشار وزير الاعلام
4.إن وجود موظفين يتسم تقييم أدائهم بالضعف دليل وجود خلل في ناحيتين: أولاهما نظام اختيار الموظفين؛ فالأصل ان لا يتم تعيين الا أصحاب الكفاءة. فهل كانت طريقة الاختيار واجراءاتها مشوبة بعيب ما ؟ اما الناحية الثانية فهي فترة التجربة التي تمنح للموظف، والأصل فيها أن يتم الحكم عليه خلال هذه الفترة فيما اذا كان يصلح للعمل أم لا من خلال الحكم على أدائه. فهل إجراءات فترة التجربة أيضا مشوبة بعيب ما؟
5.إن واقع وعملية تقييم أداء الموظفين في القطاع الحكومي لا تبعثان على الارتياح. فالأساس في تقييم أداء الموظف أن يتم بموضوعية وحسب النتائج التي حققها الموظف. بمعنى وجوب وضع أهداف لكل مديرية، ولكل قسم، ولكل موظف، وهذه الأهداف بمجموعها مشتقة من الأهداف الاستراتيجية العامة للمؤسسة.
ويفترض أن تصبح نتائج هذا التقييم إحدى مدخلات عملية تحسين أداء الموظف وتطويره. لكن ما يلاحظ لدى غالبية مؤسسات القطاع العام عدم قيامها بتحديد الأهداف الفردية لكل موظف والنتائج المتوقع منه تحقيقها، وعدم متابعة ذلك دوريا، بل ان عملية تقييم الموظفين تتم على أساس روتيني شكلي، قائم على الشخصنة، ومدى قدرة الموظف على التقرب لرئيسه وكسب رضاه.
وفي هذا المجال، على القيادة العليا في أي مؤسسة من المؤسسات وضع آليات تضمن ضرورة تحديد الأهداف الفردية والنتائج المتوقعة، وأن يتم التقييم بشكل دوري على أساسها، والاستفادة من مخرجاتها والأهم من ذلك كله ان يكون التقييم الدوري والنهائي علنيا لا سريا بحيث يتاح للموظف الاطلاع على نتيجة تقييم أدائه، مهما بلغت درجته الوظيفية، ومهما كانت نتيجة تقييمه، وضمان أحقيته في إبداء وجهة نظره
6.إن نماذج تقييم الأداء الفردي المستخدمة، ومنذ أن تم إصدارها قبل سنوات عديدة قد تطرقت الى ضرورة تحديد أهداف الأداء الفردية في بداية كل عام؛ ومع ذلك فإن الغالبية العظمى من الوزارات والمؤسسات الحكومية – إنْ لم تكن جميعها – لم تقم بتنفيذ هذا المطلب حتى اليوم لأسباب معروفة للجميع. وهنا أتساءل: هل تمتلك وزارة تطوير القطاع العام او مجلس الخدمة المدنية او حتى ديوان الخدمة المدنية الوسائل التي تكفل التحقق من قيام الوزارات والمؤسسات في المراكز والفروع المنتشرة في مختلف انحاء المملكة بتحديد أهداف الأداء الفردية؟ وهل هذه الجهات قادرة على التأكد مما إذا كانت سجلات تقييم الأداء الدوري يتم استخدامها وتعبئتها بالشكل الصحيح لنستطيع القول إن عمليات تقييم أداء الموظفين تسير بالشكل الصحيح؟ لاأعتقد ذلك في ظل انعدام الموارد البشرية والتكنولوجية اللازمة للقيام بذلك
7.وما الذي يمنع وزارة / مؤسسة ما ان يكون أداء جميع أفرادها أعلى من مستوى الضعيف، إذا قُيضت لها قيادة إدارية فاعلة تدرك تماما معنى وظيفة الادارة؟ هل سيتطلب الأمر ممارسة التعسف ضد بعض موظفي هذه الوزارة او المؤسسة بهدف الاستجابة الى نظام الخدمة المدنية
8.كلنا يعلم ان الموظف الحكومي، وبعد التحاقه بالوظيفة العامة، سرعان ما يلجأ الى الاقتراض من البنوك بهدف اقتناء سيارة في ظل انعدام منظومة نقل حكومي تفي بالحد الأدنى من المتطلبات، او لشراء منزل، أو غير ذلك، مما يعني التزامه بمبالغ مالية كبيرة. ماذا سيكون مصير هذا الانسان في ظل غياب آلية تقييم عادلة وموضوعية تجنبه تعسف هذا القرار؟ وهل سيكون مصير موظفين حكوميين قضوا في الخدمة سنوات طويلة في مهب الريح أو رهن هذا التعديل الذي ادخل في النظام؟
9.المشكلة في هذا التعديل ليست (تقدير ضعيف) وإنما النتيجة المترتبة عليه (الطرد) كما أسماها وزير الاعلام. فإذا كان الهدف رفع كفاءة العمل في الدوائر الحكومية والارتقاء بالاداء العام للموظف، فيمكن اتخاذ إجراءات عديدة تكفل الأمان الوظيفي، وكرامة الموظف، وتحسين الأداء كأن يتم تأخير ترفيع الموظف الحاصل على تقدير ضعيف، أو حجب الزيادة السنوية عنه، أو تنزيل درجته الوظيفية، أو نقله الى وظيفة أخرى داخل مؤسسته، أو الى وظيفة خارج مؤسسته. ولا أعتقد أن موظفا يمكن أن تطبق عليه هذه العقوبات لا يعمل على تحسين أدائه. أما (طرد) الموظفين وإلقاؤهم في الشارع بما عليهم من التزامات فمن المؤكد أنه ستكون له آثاره السلبية على الأمن المجتمعي، ناهيك عن الخسارة التي ستترتب على الحكومة نتيجة ما انفقت على هذا الموظف من كلف مالية كرواتب، وتدريب، ومكافآت وغير ذلك
10. أعود لأؤكد أن المسؤولية في المقام الأول تقع على عاتق إدارات الوظائف الاشرافية (عليا وووسطى ودنيا) فهي التي يجب عليها أن تكون قيادات فاعلية، تحقق الأداء العالي، وتأخذ بيد مواردها البشرية
11. أخيرا أستطيع القول جازما أن قرار تعديل نظام الخدمة المدنية بهذه الطريقة كان اقتراحا فرديا، وهو باطل أريد به باطل، ولن يحقق الهدف المنشود، وربما هناك وراء الأكمة ما وراءها؛ والجلوس وراء المكاتب والتنظير اسهل بكثير من معرفة ما يجري في الميدان.