حتى وان جهد رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة في اقناع مجالس اللامركزية ان
علاقتها مع النواب تشاركية لا ضدية، وان الحكومة بتمسكها ببعض المركزية وعدم
تفويضها للادارات المحلية، محكومة لامور بعيدة عن الاعتقاد السائد لدى المجالس ان
الهدف افشال التجربة، الا ان اللقاء الذي جمعه برئيس واعضاء مجلس محافظة اربد لم
يفلح في تبديد هذه المعتقدات. اللقاء سعى الى اشاعة حالة تناغم وتوافق بين
النواب ومجالس المحافظات وفق علاقة ايجابية، وطغت مفردات الثناء على اللقاء
وضرورة تأسيسه لما هو افضل، سيما وان تشريعا جديدا او تعديلات على قانون
اللامركزية بدأت تطرق ابواب مجلس النواب، لكن الراشح لمجالس المحافظات مقلق،
ومثار لغط غير مطمئن، ويدفع باتجاه زيادة الفشل.
(جسد بلا روح) هو التوصيف الامثل لتجربة اللامركزية بشق مجالس المحافظات واطلقه
بلا تردد رئيس مجلس محافظة اربد الدكتور عمر المقابلة، وما دامت الروح غائبة فحتما
الجسد لا يمكن ان يقوم باي وظيفة، والاستدلال تؤكده سلسلة الارهاصات والعقبات
التي واجهتها المجالس وحالت دون احداث اي فعل ايجابي خدمي على الارض في
عامين.
الشعور بالدونية للمجالس مقابل سلطتين (تنفيذية وتشريعية) متولد على انه
مقصود وفق مجالس المحافظات، وان القصدية توفرت منذ اول يوم عقب الانتخابات،
ومردها تنازع صلاحيات لتمسك الرسمي التنفيذي بمركزية القرار بعدة جوانب افقدت
مجالس المحافظة بوصلة العمل.
مجلس النواب بدا واضحا من اقوال الطراونة وصحبه من النواب الذين حضروا اللقاء انه
متنبه لكل تلك العقبات، بعد سلسلة شكاوى تلقاها من المجالس، ومطالبات متصلة
بقصور التشريع وسلبياته، لكن اقواله لم تسعفه في دحض الاتهام لمجلس النواب
انه السبب اولا واخيرا بما يجري كونه صاغ تشريعا مخرجاته على الارض افضت الى حالة
شلل تام للمجالس.
واقع الحال ان تشريع اللامركزية صيغ على عجل، ومروره بمراحله الدستورية كان على
عجل، وانتخاباته جرت ايضا بعجلة، لتفرز مجالس اول ما اصطدمت بعدم وجود
مخصصات مالية لموازناتها، كونها باشرت مهامها بفترة قضت العوامل الزمنية
البصم على موازنات محافظات لا تعلم المجالس ما هيتها، وهذه مثلبة سببها العجلة
لاخراج اللامركزية لحيز الوجود.
ادوات الدعم اللوجستي لمهام المجالس غابت، فهي لم تكن بالحسبان، فالاماكن
التي وضعوا بها لا تليق، ومنحوا غرفا ضيقة بمراكز الحاكميات الادارية ولدت الشعور
لديهم انهم عبء على التجربة، ناهيك عن فقدانهم ادوات الدعم اللوجستي لاداء
مهامهم بمجالات المشاريع واقرارها وتنفيذها، فيما المفاجأة الاكبر لهم كانت ان
دورهم مقصور بالمشاريع على «الاطلاع» لا الرقابة او المساءلة ما ادخلهم بصدام مع
القواعد الشعبية حول جدوى وجودهم.
لا شك ان اجتماع الطراونة كشف ان قانون اللامركزية الحالي «قاصر ومظلم وباهت» وما
تضمنه من اجراءات متصلة بنقل صلاحيات المركز للادارات، وتشبيكها مع مجالس
المحافظات كان صوريا وحبرا على ورق، لدرجة مكنت النواب الاستمرار بتوسطهم
وتنفيذ محسوبياتهم لتنفيذ اعمال ومشاريع بالتنسيق مع مراكز القرار في العاصمة،
حتى لو كان ذلك على حساب اعاقة مشاريع اخرى وفق ما كشف رئيس المجلس
الدكتور المقابلة.
الحكومة الان بصدد تشريع جديد او تعديلات على الحالي، لكن الراشح انها تطبخ في
غرف مغلقة على حد وصف «اعضاء مجالس» وانهم مغيبون وان الامر يسير باتجاه
توسيع دائرة العضوية في المجالس بما يزيد عملها ارباكا وتعقيدا عبر تعيين اعضاء
رؤساء بلديات وممثلي قطاعات صناعية وتجارية وغيرهم، وهو توجه ينظر له بعدم
الرضى كون هؤلاء في مؤسسات مسؤولة ضمنيا وعمليا عن ادارة امورها منفردة،
بعيدا عن الدخول بمعترك منافسة خطط التنمية والخدمية للمحافظات. مجالس
المحافظات بعد عامين يفترض انها قفزت من مرحلة التجربة، لتحديد الاطار الناجع
لتطوير ادائها وعملها، لكن سياق تعامل الرسمي معها – أي الحكومة–واخره اقتطاع
35 بالمئة من موازناتها لعام 2019 وحجزها لمشاريع متعثرة، بعامي 2017 و2018 مثلبة
تعزز الشعور لدى المجالس بوجود توجه افشال التجربة وصولا للاجهاز عليها وهو
سيناريو «قاتل للتجربة» وفق المقابلة.
وزاد المقابلة ان الحكومة حددت مشاريع التعثر وقيمتها نحو 14 مليون دينار مطالبة
اجراء مناقلات لتمويلها من الموازنة حاليا وتحويلها لمقاولين وهو ما رفضه ويرفضه
المجلس حتى الان.
لا ننكر ان رئيس مجلس النواب واعضاء لجان ادارية حضرت اللقاء سعت الى بث
الطمأنينة من ان المجالس ستكون شريكا في مراحل التشريع الجديد او تعديلاته
المقرر ان تدفع به الحكومة، مع التأكيد على نفي ان يكون لمجلس النواب اي مواقف
مسبقة من نظيرتها المحافظات، وسعيه الى تشاركية وتوافق يدفع المسيرة الى
الايجابية والنجاح، لكنها تطمينات ستبقى رهينة الشك لحين خروجها لدائرة العلن.
الراي