3100 مخيم عشوائي معظمها في البقاع والشمال..
“لا فرق بين لبنان وسوريا، المياه ملوثة والكوليرا تطاردنا”، هكذا يقول محمد الناشط في مخيم الريحانية للاجئين السوريين في ببنين كبرى بلدات عكار شمالي لبنان، حيث شكل المخيم بؤرة لانتشار الكوليرا بوتيرة متسارعة.
هنا في عكار التي تضم أحد أكبر تجمعات المخيمات، يعيش السكان، من لبنانيين وسوريين، قلقا كبيرا مع تصاعد أعداد المصابين بالكوليرا، فضلا عن عشرات تظهر عليهم عوارض الإصابة ولا يخضعون للمعاينة الطبية.
مأساة الأهالي وتقاعس المسؤولين
جولة واحدة في مخيماتها، تشي أن الوقاية ترف غير مقدور عليه، حيث تعبر المياه الآسنة بين ممرات خيم متلاصقة ومهترئة، ويستحم ويشرب ويطهو أهلها من خزانات مياه مكشوفة وملوثة، تغزوها الحشائش والرمل، بفعل اهتراء شبكات الصرف الصحي وتلك المخصصة لنقل المياه النظيفة.
“من أين نشرب؟ ومن أي زرع نأكل ونحن نسقيه “السمّ” مرغمين؟”؛ يسأل اللبناني محمد علي في ببنين بعدما توفيت طفلته لامار البالغة شهرين، على إثر إصابتها بالكوليرا، ويسكن بمبنى مع عائلته عند تخوم أرض زراعية.
ويقول للجزيرة نت إن طفلته ظهرت عليها علامات التعب الشديد والتقيؤ الأربعاء الفائت، وقد توفيت بعد ساعات من نقلها إلى المستشفى. وتبدو مأساة عائلة علي كبيرة، إذ توفي عم محمد الجمعة بعد إصابته بالكوليرا، إضافة إلى وجود حالتين في المستشفى، مع 4 مصابين من العائلة يتلقون العلاج بالمنزل. ويؤكد الرجل أنهم يحرصون على شرب المياه النظيفة، مرجحا التقاطهم العدوى من تناول الخضراوات.
من جانبه، ينقل محمد الناشط السوري، من معايناته الميدانية، بعض معاناة سكان المخيمات في توفير المياه، محملا اليونيسيف جزءا كبيرا من مسؤولية انتشار الكوليرا، بعدما خفضت تقديماتها للمياه المخصصة للمخيمات من 30 لترا للفرد يوميا إلى نحو 7.5 لترات “كما قطعت إمداداتها عن بعض المخيمات”، حسب قوله.
ويوضح أن السوريين بالمخيمات لم يكن أمامهم سوى خيار استعمال أي مياه يجدونها أمامهم، سواء لعجزهم عن شراء المياه المعقمة، أو لعدم تمكنهم من استخدام المياه التي تصل إلى بيوت اللبنانيين المجاورة.
ويضيف محمد أن “ما تقدمه المنظمات الدولية المعنية بمخيمات اللاجئين السوريين في لبنان لم يعد كافيا لتسديد أدنى حاجاتهم بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية، وانهيار البنى التحتية”.
يربط المسؤولون وخبراء الصحة بدء انتشار الكوليرا في لبنان بالعجز عن توفير المياه النظيفة وانهيار مرافق الصرف الصحي التي تختلط بالمياه الجوفية، وتحديدا بالمناطق الأكثر هشاشة وفي أحزمة البؤس والمخيمات. ويلحظ بعض سكانها أن عوارض الكوليرا، كالإسهال الحاد، سرعان ما تنتشر بين الأطفال لعدم اكتسابهم المناعة الكافية وعدم تلقيهم مختلف جرعات اللقاحات اللازمة لهم.
وفي آخر تحديث لأرقامها، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية مساء أمس الجمعة تسجيل 7 إصابات جديدة، رفعت العدد التراكمي منذ نحو أسبوعين للحالات المثبتة إلى 227، وسُجلت حالتا وفاة رفعت عدد الوفيات إلى 7، في حين يعتقد خبراء أن عدد الإصابات الفعلية يتجاوز ذلك بكثير، لأن المصابين يستخدمون المياه نفسها مع عائلاتهم ومحيطهم السكني.
ورصدت الوزارة أولى الحالات بمخيم الريحانية شمالي لبنان قبل أن تنتقل العدوى إلى مناطق أخرى في البقاع وجبل لبنان، لتصيب اللبنانيين والسوريين.
وفي حديث لمصادر اخبارية يشير وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض إلى أن لبنان يقف أمام انتشار متسارع للكوليرا، من دون أن يبلغ مرحلة الخطر التي تعني تجاوز عدد المصابين لعدد الأسرّة بالمستشفيات.
وتفاديا لما يصفه بسيناريو “كورونا” الذي كشف عن مستوى انهيار البنية الصحية في لبنان، يلفت الأبيض إلى أن وزارته وبالتعاون مع الشركاء الدوليين، جهوزيتها عالية لمواجهة الوباء على مستوى تتبّع الحالات وتأمين الأسرّة بالمستشفيات، معربا عن قلقه من خروج الأمور عن السيطرة إذا لم تسارع الجهات الدولية في المخيمات والوزارات المعنية بلبنان لحل أزمة إمدادات المياه.
وقال إن داء الكوليرا وصل إلى لبنان ولم يصنع فيه. و”نتيجة التراجع الحاد بمستوى توفير الخدمات الأساسية وفي طليعتها المياه، تعاني شريحة واسعة من المواطنين واللاجئين من عدم القدرة على الوصول للمياه النظيفة، وفي بعض المناطق الزراعية تختلط المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي وتستخدم لري المزروعات”. وعليه، يرى الوزير أن لبنان بيئة حاضنة وخصبة لتفشي الأوبئة.
ويحمّل الأبيض وزارة الطاقة والمياه جزءا من المسؤولية، “لأن الكهرباء لا تصل إلى محطات ضخ مياه الصرف الصحي وذلك يسمح بتكاثر الجراثيم، وبعض الآبار وجدنا فيها تلوثا بالكوليرا”.
لكن وزير الصحة يناشد المنظمات الدولية، وعلى رأسها المفوضية واليونيسف، بتحمل مسؤولياتها، وتحديدا بمخيمات السوريين حيث ينتشر وباء الكوليرا، إذ “من الواجب مساعدة السلطات اللبنانية بتوفير اللقاحات وتأمين المياه النظيفة”.
وأوضح أن الوزارة تعمل حاليا على تتبع صهاريج المياه وتوفير المعقمات للخزانات، ودعا الناس لعدم التأخر بالذهاب إلى المستشفى عند ملاحظة عوارض الكوليرا.
ويقدر عدد السوريين المقيمين في لبنان بـ1.5 مليون لاجئ، معظمهم لا يملكون أوراقا نظامية، بينما تشير بيانات المفوضية (UNHCR) إلى أن عدد السوريين المسجلين لديها يبلغ 825 ألف لاجئ. ويوجد نحو 3100 مخيم عشوائي على الأراضي اللبنانية، ويرتكز معظمها في البقاع والشمال.
وراسلت جهات معنية عربية اخبارية لشرح موقفها من انتشار الكوليرا في المخيمات، فأجابت “عملت اليونيسيف، منذ لحظة الإعلان عن تفشي الكوليرا بسوريا، بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة ومنظمة الصحة العالمية، على رفع الجهوزية لمواجهة أي تفش محتمل بلبنان. وفي إطار التأهب، قامت اليونيسيف بزيادة كمية المياه بجميع مجالات التدخل إلى 35 لترا للفرد يوميا من المياه النظيفة الآمنة، ووزعنا عبر شركائنا مجموعات أدوات النظافة والتعقيم مع كميات إضافية من الصابون والكلور، كما أطلقنا جلسات توعية حول النظافة، مع زيادة خدمات تفريغ حفر الصرف الصحي، وتنظيف خزانات المياه وتعقيمها”.
وفي المخيمات التي لا تجمع البلديات النفايات فيها، “سيقوم شريك لليونيسيف بتطهير القمامة، وتركيب محطات غسيل الأيدي، وهذا جزء من الحملة الوطنية التي تنفذها اليونيسيف الآن مع منظمة الصحة العالمية، لدعم وزارة الصحة العامة ووزارة البيئة ووزارة الطاقة والمياه”.
ولدى سؤال المنظمة عن أسباب خفض كمية إمدادات المياه للمخيمات، أجابت “نظرا لانخفاض توفر التمويل، اتخذ قرار جماعي بالتنسيق مع قطاع المياه بتخفيض كمية المياه المخصصة لمخيمات اللاجئين السوريين من نحو 20 إلى 7.5 لترات للفرد يوميا، (تم احتسابها وفق معيار للطوارئ الإنسانية). ودخل قرار التخفيض حيز التنفيذ في 15 سبتمبر/أيلول بمعظم المخيمات”.
وأضافت “في الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول، مع إعلان أول حالة كوليرا، اعتمدت اليونيسيف على قرض داخلي طارئ لتنفيذ التدخلات المطلوبة لاحتواء انتشار الكوليرا على الفور، وعملت على زيادة الكمية إلى 35 لترا للفرد يوميا من المياه النظيفة الآمنة”.
وسترتفع مع ذلك التكاليف مرة أخرى، وذلك يعني وفق المنظمة “أنها لن تكون قادرة على الحفاظ على هذه الخدمات مع حلول عام 2023، إذ سينتهي التمويل الحالي لنقل المياه بالشاحنات وشفط حفر الصرف الصحي في المخيمات في ديسمبر/كانون الأول 2022”.