أحمد سلامة يكتب: مروان الحمود .. وطن في رجل
أحمد سلامة
لكل مقالة سبب، أعني المقالة وليس علم الصحافة الجديد الممول والمغمس بفتات الغرب المنافق، الذي كشف عن وجهه القبيح في أزمة اوكرانيا، والمقال والمقام تلازما في تاريخ الادب العربي، حد التزامل الحميم، وبهذا المعنى أجد اليوم لغتي أعجز من أن ترتقي إلى مستوى ( المقام ) الذي أنا بصدد الكتابة عنه.
إنه مقام الرجل الذي قالت فيه العرب “ابن الاصل يؤنس وحشة الدروب” وليس مثل مروان عبدالحليم النمر الحمود، إنسانا يدحر الوحشة ويزيل الهموم سأكتب فيه وعنه اليوم، متمنياً له الصحة والعمر المديد، وسبب الكتابة هذه، أن الزميل سمير الحياري، ينعم علي آناء وأول الصبح بما يستحق المشاهدة وعادة ما تتأخر شمسه ( الباشا ).
فهو من سراة الليل إلا اليوم، فقد أرسل إلي بحوار متلفز لرجالات دين مسيحي وهم يقدمون هدية رمزية لأبو العبد في منزله (بالعيزرية) التي كنا ندللها ايام الصبا (بالمختارة)، لقد رأيت أبو العبد وهو متمدد على السرير شافاه الله ونجاه، وبادرت فورا للكتابة عنه وله فالرجال في بلادنا لا يكتب عنهم وهم أحياء وكأنه من العيب مدح الرجال الرجال.
لقد رأيت مروان الحمود في ميناء الحب الوطني، الدافئ الحنون طوال العمر وأبدأ القول ….عجزت النساء أن يجُدن بمثله “أن يلدن مثلك يا أبو العبد”.
سلام عليك حين فردت عباءتك للوحدة الصلبة في بلادنا وسلام عليك حين رفعت أن الخلق يرفع صاحبه والتسامح سمة الشيوخ الحقيقين وليست شيخة وزارة داخلية.
سلام عليك حين كنت رئيس البلدية الطيب الحنون والنائب الذي لا يكذب أهله والوزير المعين للناس على اختلاف مشاربهم والعين التي لا تغمض عن الحق، وسلام على الروح التي صنعت من الحب صفة الروحانية، سلام عليك وطنيا اصليا تحمل الولاء للأردن بيد، وتسمو بولائك للعرش بالقلب ناعما حنونا طاهر القلب.
سأروي قصتي كما رأيته أول مرة وكما أضحى الأخ الكبير لي الذي ما خذلني بالحب في حياته أبداً أيها السيد الشيخ ابن الشيخ النبيل يا واسط قومنا وأنت ترنو من العيزرية كل صبح صوب يافا فتَزمّها إلى نابلس وتركض البلقاء نحوهما حبا وكحلاً لعينيك …أيها السيد النبيل … سأبوح لك هذا الصبح أنني أدعو الله أن يعطيك من عمري عمراً ومن عافية المتعافين من أحبتك كل الصحة.
يا أبو العبد أيها السيد فينا..يا من وهبت وأعطيت معنى إضافياً للحياة وصفةً لنبل أبهى من النبل، أتذكرك الآن..قبل الف سنة كأنها الآن ابتدأت.
ذاك الطود الجواد المحب محمود الكايد، الذي علمنا أول الحروف الطيبة وعلمنا صحبة الرجال الكبار قدمني إليك وإلى المرحوم فارس النابلسي ذات عشاء سخي قال لك وهو يقدمني في مساءات ذات ليل صيفي تحُفّه الحلاوة والطيب من ليالي سنة ١٩٧٩:أحمد شاب يعجبك، من فلاحين نابلس وبطريقتك التي صنعتها وحدك تفرج عن نصف ابتسامة حين ترضى سألتني:أحمد انت من وين؟ وأجبتك:”من بديا يا سيدي”فأخذتني بضمة إلى قلبك حلاوتها لم تزل في القلب يا مروان.
قلت :تعال ..تعال أنت من عظام الرقبة
وسألتني:أبو كمال شو بكونلك ( صالح الشرع )
أجبتك :عمي …
ما أحلى ملقاك يا ابو العبد
من تلك اللحظة ما ( كذّب الفؤاد ما رآى ) لقد أضحت اللقاءات على هامش منتدى أبو العزم متصلة يظللها الدفء والتعلم منك بعض السجايا والخصال ليس أحسن من مروان الحمود موهبة في تعليم الأجيال الوطنية والجود والخلق بالممارسة يعلمك بسلوكه، وطبعه الهادئ وحسه المرهف.
ثمة ألف قصة وقصة يمكن أن أرويها عنك وأقولها بحقك لكن قصتين سأرويهما اليوم حبا وكرامة..
القصة الأولى..
ذات عشاء في الكايدية جمعتنا مائدة أبو العزم رحمه الله كان ضيف الشرف ( عوني حجازي ) الذي جاء من بلاد النفط في زيارة للوطن …..وأولم أبو العزم على شرفه، وكنت أنت النجم كما عهدك دائما في ذات المساء دارت أحاديث كثيرة وأعجب الضيف بشبابي وقولي وقرر تقديم هدية لي ساعة رولكس واعتذرت عن تلك الهدية.
كانت أخلاق المهنة وأخلاق الرأي ومدرسة جمعة حماد ومحمود الكايد حيث تعلمنا تعَصُّمنا من قبول الهدايا والأعطيات، أين كان مصدرها، تلك قيم وطنية أردنية خالصة لم تزل آثارها تعصمنا عن فكرة قبول “التمويل أجنبيا كان أم عربيا”.
وعلى حين فجأة فك الكبير مروان الحمود ساعته وكانت من عائلة (بوم امرسيه) وبهمس الزعماء الكبار قال ساعة أحمد علي انا لانه (اخوي الصغير) كم حظينا بهدايا بعد ذلك لكن تلك الساعة قد اهديتها لولدي الغالي اسامة وكتبت له اعز ما ملكت قيمة وحبا وأعرف أنك تتقن الاحتفاظ بالمقدسات وهذه إحدى اعز ما ملكت في الحياة هدية من عمك الأعز الشيخ مروان الحمود كان ذلك هدية عرسه عندي.
ابو العبد لاشيائه الف معنى ومليون دلالة وكلها رمزية وطنية ….تلك صورة أبو العبد … الأولى
الحسين والحسن … نذير ومروان
كأنها ذات الاجواء في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي بعض رذاذ خفيف يحف بالدنيا ومجلس الاعيان يتشكل بعد انتخابات نيابية أطاحت بمقعد المرحوم عبد اللطيف عربيات في محلس النواب واستقبله المرحوم سيدنا وبارك له بعضوية مجلس الاعيان احتراما لدوره في مجلس النواب.
وغادر سيدنا رحمه الله في زيارة لبريطانيا بذات اليوم وفي المساء كنت في معية سمو الامير الحسن نائب الملك وولي العهد وقتذاك والعم الغالي ابو جعفر نذير باشا رشيد اطال الله في عمره في نادي البولو بالزرقاء …بعد انتهاء المباراة التي حكَّمها أبو جعفر كان سيدي حسن يرتدي ملابسه العسكرية لأنه مدعو على نوبة مساء وعشاء في قيادة الفرقة الخامسة كنت مع أبو جعفر في سيارة سيدي الحسن قبل أن يشرف سموه سأل نذير باشا :احمده !!! هل صحيح ما يتم تداوله في عمان أن ( الدكتور عبداللطيف قابل سيدنا اليوم ) اجبت :نعم سيدي اعتقد تم اللقاء، واكمل بحنق وهل وعده جلالة الملك بالعينية قلت ربما أن ذلك صحيح أيضا سيدي وسأل :خلصت التشكيلة ولا بعدها؟ قلت له: اسأل سيدي الحسن… فهم الباشا ان لم يزل في أمل لما يريده.
سيدي الحسن باشر محادثة الباشا.. كان هو يقود السيارة ..والباشا بجواره وأنا في الكرسي الخلفي
أبدى الباشا صمتا له معناه الذي وصل معناه الى سموه وسأله سيدي الحسن مالك مبلم ؟!
وباشر الباشا بث عتبه وغضبه وحكى كلاما فيه تصميم بالتماسه بأن يكون مروان الحمود عضواً في مجلس الاعيان وحكى في خصال مروان كلاما يتعلم المرء كيف يقول الرجال في حق الرجال.
ومازحه سيدي الحسن أبو جعفر (هذا الكلام عندي بس ولا بتحكيه لسيدنا ) فرد أبو جعفر بمودة…” الحكي الصعب معك مو مع سيدنا” انهى الباشا مداخلته بالقول يعني “لأن مروان ما بطلب وما بحكي ولأنه زعيم وولاؤه مطلق للعرش لازم نعاقبه” .
بعد العشاء طلب سيدي الحسن سيدنا عالهاتف واستأذنه أن يتحدث معالي أبو جعفر مع جلالته ….وقد تحقق مراد الباشا ولأول مرة صار اثنين من أسرة واحدة في مجلس الاعيان قال لي أبو جعفر في وقت لاحق” مروان صورة أردنية فريدة في الوطنية وهو رجل لن يتكرر في معنى الوحدوية وحب الناس وطيبته لا تبارى ولا تجارى”..
..أطال الله في عمر نذير فقد كان أعلم الرجال في الرجال
يا مروان…إن أحباءك وهم كثر يبتهلون الى الله سبحانه أن يحفظك ويمد في عمرك وأن يحفظ لنا ذريتك الصالحة وسمعتك التي اضحت منهجا حياة لجيل آمن بالاردن وطنا وبالهاشمية رسالة وبالبلقاء كرسي الوطن وانت زعيمها.