جاء رمضان للعام الثاني والجائحة الصحية تخيِّم بقسوة على الكثير من بلدان العالم الإسلامي؛ فتشُلّ فعاليات أهلها عن الاحتفال بمقدم هذا الشهر الكريم بما جرت به عوائدهم منذ قرون، وتقيّد أقدام الساعين لصلة الرحم عن تبادل الزيارات فيه، وتنحسر بسببها موائد الإطعام -التي اشتهرت بها العديد من الحواضر- عن الإمداد والامتداد.
وحتى نعلم -عزيزي القارئ- مدى الغصة التي دبَّت في نفوس كثير من مريدي هذا الشهر المبارك؛ ندعوك نتأمل السطور المقبلة التي تخبرنا بأن استعدادات المسلمين لمقدم رمضان -على مَرّ تاريخهم- كانت أمرا لافتا للنظر، فقد ارتبط شهره عندهم بالنور مبكرا حين بدأ المسلمون بإنارة المساجد والشوارع في رمضان توخيًّا للأنس بالشهر، وانطلقت العادات الرمضانية تترسخ من مراسم تحري مطالع الهلال إلى انعقاد مجالس الذكر والتعلم، وصولا إلى تمدد الموائد وتعدد مظاهر التواصل الاجتماعي.
وحتى اللحظة التي يُنشر فيها هذا المقال؛ ما زال الوصل قائما بين مواطن الأنس الرمضاني قديما وحديثا، فكل مدينة عربية أو إسلامية لا تحرم نفسها من نصيبها في عادات رمضان المميزة له، ومن الألق الروحي الذي اشتهرت به حياة المسلمين في هذا الشهر القرآني.
وهذا المقال يحاول أن يمزج بين المأثور الديني والاجتماعي والثقافي الذي ساد شهور رمضان طوال القرون، عبر رصد واسع يحشد عددا من القصص والروايات التي يمكن من خلالها أن ننفذ إلى السلوكيات الرمضانية المميَّزة التي عاشها المسلمون في أقطار العالم مشرقًا ومغربًا.