ايام معدودات ويحل عيد الاضحى المبارك يتبعه بدء العام الدراسي الجديد دون فاصل زمني بينهما , ما يضع أسرا كثيرة في إرباك وحيرة لمواجهة موازنة مالية محدودة تفرض المفاضلة بين المناسبتين .
سابقا كان حلول موسم الاعياد أو بدء عام دراسي جديد يتطلب اجراءات استثنائية من الاسر للوفاء بالتزاماتها المالية وكان ذلك يستدعي اجراءات طارئة كالقروض الصغيرة والسلف وحتى الاستدانة لتوفير هذه النفقات وتنظيم سدادها لعدة أشهر قادمة , الا أن الحال يختلف هذا العام فلا فاصل زمنيا يتيح التنظيم أو تدبير النفقات التي تستنزف في العادة جزءا كبيرا من دخل الاسر .
مواطنون كثر يقفون بحيرة أمام هذه المعضلة ويقول المواطن صلاح حامد لا أدري كيف سأواجه جميع النفقات المطلوبة للعيد وللعام الدراسي الجديد فكل مناسبة تتطلب لوحدها موازنة كبيرة كانت تفرض تدابير عديدة لتامينها والراتب لا يكفي , وواقع الحال يجعلني أضحي ببعض مباهج العيد القليلة التي كنت اقدمها لابنائي وأنا على يقين من قسوة ذلك على اطفال ينتظرون حلول العيد بفارغ الصبر .
أهلاً بالعيد
لا شيء يضاهي انتظار العيد وفرحة مباهجه لدى الاطفال , فما من طفل الا ويحلم بالملابس الجديدة والالعاب الكثيرة والعيديات وغيرها من مظاهر الاحتفال والسعادة التي ينتظرونها بفارغ الصبر طوال العام .
الطفل أحمد توفيق في العاشرة من عمره قال بالطبع أنتظر العيد بفارغ الصبر فانا أريد ملابس جديدة وعيديات و « مشاوير « ممتعة أذهبها وأخوتي برفقة اهلي , مضيفا « صحيح أن المدرسة ستبدأ بعد العيد مباشرة لكن العيد» أهم « من التفكير بالعودة الى المدارس « .
الطفلة راية السلمان ثمانية أعوام تريد عيدا بكامل مباهجه وتقول اخبرت والدي بأني اريد الحصول على الملابس الجميلة التي رأيتها في أحد المحلات وحذاء مناسبا لها وحقيبة أحمل بها العيديات والحلوى ، كما انني واخوتي نرغب بقضاء يوم كامل في أحد المولات لتناول الطعام واللهو بمناطق اللعب فيها وشراء الحلوى والالعاب , ونريد الذهاب لزيارة جميع اقاربنا لنحصل على العيديات فيتجمع لدينا مبلغ جيد ندخره في الحصالة .
ولدى سؤال راية أيهما تفضل استعداد أهلها للمدارس أم للعيد بصورة أكبر قالت سوف نقضي بالمدارس شهورا طويلة اما العيد فمختلف وأريد كافة احتياجات العيد قبل لوازم المدرسة .
المدارس أولاً
بالمقابل تضع أسر نصب عينيها المدارس ومتطلباتها خاصة الاقساط المدرسية بالدرجة الاولى في موازنتها المالية , وقال خالد مرعي ( موظف ) منذ شهرين وشغلي الشاغل تأمين الاقساط المدرسية لأبنائي الثلاثة في مدارسهم الخاصة فهي رسوم غير قابلة للتاجيل وتشكل بحد ذاتها عبئا بل هما كبيرا تواجهه الأسر كل عام , عدا عن رسوم الباص واللوازم الأخرى الضرورية كالزي المدرسي والكتب والحقائب والقرطاسية وغيرها الكثير والتي لا يخفى على أحد مقدار ما تستنزفه سنويا من موازنة الأسر .
وأضاف ضمن هذه « الحسبة « لا مكان لموازنة كافية للعيد باستثناء الضروري منها , وسنكتفي ببعض الاساسيات الضرورية لادخال الفرحة لقلوب الاطفال مثل عيديات محدودة وبعض النزهات غير المكلفة ان توفرت , فبالرغم من كل شيء العيد بالنسبة لهم مناسبة خاصة تبقى في أذهانهم مدى العمر .
وأكد سليم فياض ( موظف ) وأب لأربعة ابناء أن حاله كحال معظم الأسر التي تعتمد في دخلها على راتب رب الأسرة فقط , وبالتالي من الصعب توفير موازنة تكفي لموسمي العيد والمدارس معا ويجب المفاضلة بينهما والطبيعي توجيه الموازنة نحو الرسوم والمستلزمات المدرسية أما العيد فيقضى باي طريقة .
وأشار بالرغم من أن أبنائي ينتظمون في المدارس الحكومية الا ان ذلك لا يعني عدم وجود نفقات مالية كثيرة تترتب على ذلك , فالطالب يحتاج الى ملابس لائقة للذهاب الى المدرسة يحتاج للحقيبة والكتب يحتاج للأقلام والدفاتر وكافة المستلزمات الضرورية التي تصر عليها المدارس قبل غيرها , ما يعني تراجع أية نفقات أخرى حتى الضرورية منها كالنفقات المعيشية اليومية الى حين , متسائلا فأين لنا بتوفير موازنة خاصة بالعيد بمتطلباته الكثيرة ؟ .
موازنة حرجة
الاقتصادي حسام عايش قال لا شك اننا كأسر نواجه ممرا اجباريا من حين لآخر تجتمع فيها عدة مناسبات تتطلب انفاقا ماليا اضافيا عدا عن النفقات المعيشية الاعتيادية , نعلم بقدومها مسبقا الا اننا نشكو من نتائجها كل مرة .
وأوضح أن مناسبتي العيد وبدء العام الدراسي أحد أهم هذه الممرات الحالية التي تفكر كل أسرة بعبورها بطريقة أو بأخرى وفق ما يتوافر لها من دخل .
وشدد على أهمية أن تتحول الأسر في تفكيرها الى أسر اقتصادية توازي بين الدخل والانفاق خاصة في مناسبات مماثلة , وأيضا البدء بوقف الهدر المالي حال وقوعه في الانفاق واعادة برمجة النفقات وفق أهميتها , موضحا أن اعطاء الأهمية لنفقات المدارس يأتي بصورة طبيعية لدى الأسر كونها نفقات أساسية هامة لا تقبل التأجيل أو وضع بدائل لها .
وذكر أن الانفاق لدى المواطن لا يكون محسوبا بدقة في موازنته المالية طوال العام فتظهر الأزمة المالية جلية في مثل هذه المناسبات , واحيانا تستمر تداعيات الأزمة المالية للأسر لتصل الى النفقات الاساسية الاعتيادية المطلوب توفيرها ضمنيا مع تلك النفقات الطارئة .
وأكد عايش أن الوقت متاح حتى الآن لمساعدة الأسر الأردنية في مواجهة هذه الموازنة الحرجة , مع أهمية البدء بالتخطيط المسبق لمواجهة هذه الأزمات مستقبلا بتضافر الجهود من القطاع العام والخاص والمجتمع المدني والمواطن أيضا .
وأضاف يجب تقاسم الأدوار كل حسب مجاله فالدولة أولا تستطيع بدور اشرافي اقامة أسواق خاصة أو شعبية في المناطق السكنية توفر كافة المستلزمات التي يحتاجها المواطن للأعياد والمدارس ضمن مستوى أسعار متاح للأسر خاصة الأسر محدودة الدخل ورقيقي الحال , اضافة للبدء بالتفكير بصرف سلف على الرواتب خلال المواسم المماثلة وتسهيل أو تأجيل دفع أي رسوم مستحقة على المواطن تتزامن مع هذه المواسم .
وأشار أن مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والتجار دائما ما يتحدثون عن المسئولية المجتمعية ومن المنتظر في مواسم مماثلة أن تأخذ تلك المبادرات دورا فاعلا في حياة المواطنين سواء بصورة مستقلة أو بالشراكة مع القطاع العام , ومن ذلك توفير كافة المستلزمات التي يحتاجها المواطن سواء للتحضير للعيد أو للعام الدراسي بأسعار مخفضة بصورة ملموسة تساهم في تجاوز المواطن لأزماته المماثلة .
وقال ان هذا العمل المشترك بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني يتطلب أيضا تكافلا اجتماعيا من المواطنين بمعنى ان على المواطن أن يبحث عن حلول خاصة به من خلال اعادة بناء العلاقات الاجتماعية التكافلية والثقافة المجتمعية السائدة بمساعدة من قادة الرأي والفكر في المجتمع , ومن أهمها اعادة النظر ببعض العادات السائدة التي تشكل بحد ذاتها عبئا ماليا كبيرا يمكن الاستغناء عنه كاقامة الولائم والعيديات وتقديم الهدايا في الاعياد والمناسبات اضافة لتعزيز النظام التكافلي بين الناس لمساعدة المحتاج والفقير .
وبين عايش أن الأوضاع الاقتصادية العامة لا يمكن فصلها عن وضع المواطن في هذه الأزمات ويكفي أن نشير الى أن المؤشرات المالية تظهر أن 69% من دخل الاسر الاردنية عبارة عن التزامات أي أن ما يتاح للمواطن للانفاق على جميع المتطلبات المعيشية اليومية يشكل 30% من دخل الأسر فقط .
وقال لقد عبرت البيانات الاحصائية الرسمية الصادرة منذ نحو شهرين عن وجود عدم توازن بين دخل الاسرة الاردنية وحجم انفاقها , حيث بلغ معدل متوسط معدل الدخل للأسرة الأردنية 9,5 ألاف دينار سنويا فيما تبلغ نفقاتها حوالي 10,5 ألاف دينار سنويا , ما يعني وجود تراجع بمعدلات الدخل للأفراد , مشيرا أن الأوضاع الاقتصادية للأسر والأفراد مشكلة تتطلب تضافر الجهود من كافة الأطراف بدءا من الدولة وصولا للمواطن نفسه لاعادة التوازن المالي لحياة المواطنين التي تتجاوز بنتائجها مستقبلا أزمة توفير احتياجات مواسم طارئة كحلول العيد والموسم الدراسي الجديد معا .