ناخبون متخوفون من استفحال ظاهرة المال السياسي
مع بدء العد التنازلي للانتخابات النيابية المقبلة، بدأت تطفو قضية المال السياسي على سطح المشهد الانتخابي، خصوصا بعد تحويل عدد من القضايا المرتبطة بها إلى القضاء مؤخرا، وفق الهيئة المستقلة للانتخاب، فضلا عما تشهده بعض الدوائر الانتخابية في المملكة، من ظهور هذا المال بين ناخبين ومرشحين بحسب شهود عيان، ما يدعو للتصدي له ووقفه قبل استفحاله.
وفيما عالجت “مستقلة “الانتخاب”، هذه القضية عبر تعليمات تنفيذية خاصة بالاقتراع والفرز، وبخاصة للناخب الأمي، الذي يعد أحد مفاتيح شراء وبيع الأصوات، يتحرك المال السياسي بسرعة في العملية الانتخابية.
ويتخذ هذا المال أشكالا متعددة؛ من بينها: الرشوة التي يقدمها مرشحون للناخبين، لقاء ضمان أصواتهم؛ سواء كان الصوت لصالح مرشح معين أو توظيفه ضد مرشح آخر، إما بحجب الصوت أو منحه مرشحا آخر لتشتيت الأصوات، والحيلولة دون نجاح أحد المرشحين.
والمال السياسي؛ ليس بدعة أردنية، بل حالة عالمية، يمارسها إغراء أو تدجين وتطويع الناخبين عبر المال والاسترضاء بالامتيازات.
وفي هذا الصدد، قال الحاج محمود عرابي، الذي يقطن في منطقة الجبيهة، إنه “تجاهل دعوات وجهها إليه مرشحون وأفراد من طواقمهم، ليقف في صفهم”، ورفض ذلك، مؤكدا أنه “سينتخب من يريده هو لا من يفرض عليه”.
وأشار الحاج الستيني؛ إلى أنه “على علم أن هناك أشخاصا، يتم توظيفهم من قبل مرشحين، للترويج لهم واستغلال الظروف المعيشية الصعبة لمواطنين لشراء أصواتهم”.
أما المواطن محمود عربيات فبين أن “أشكال المال السياسي بدأت تظهر في شهر رمضان الماضي من خلال تبرعات وطرود خير أثناء الشهر الفضيل، لكن هناك وجه آخر للمال السياسي من خلال وعود بتحصيل بعثات دراسية في الجامعات، أو دفع رسوم المدارس، فيحصل المرشح وأعوانه على تعهدات من مواطنين بالتصويت له مع التلويح بوقف تلك البعثات إن لم يصدق الناخب بتعهده”.
وأضاف عربيات أن “ظاهرة شراء الأصوات، أفقدت مجلس النواب السابق هيبته وجعلته عرضة للنقد، والغمز واللمز بشكل واضح، ولربما ساهم ذلك في تدني مستوى أداء المجلس، ما أفضى في النهاية للإسراع في حله”.
من جهتها، تنبهت الحكومة إلى ذلك فشددت في القانون على عقوبة شراء الأصوات، بيد أن ذلك لم يحل دون بروز الظاهرة بشكل لافت في عمان والمحافظات.
ويبين العشريني حمد سرحان من سكان خلدا، أن العملية الانتخابية، “إن لم تكن خالية من قضايا الرشوة وتدوير المال الخاص بالمرشحين على المواطنين، فإنها ستكون فاشلة، لأنها ستفضي لانتخاب نواب لا يفكرون إلا بالمال والمصلحة الشخصية على حساب الناس”.
وأوضح سرحان، أن منطقته التابعة للدائرة الثانية، “تنتشر فيها شعارات انتخابية باهتة، تتناول التأمين الصحي والتعليم وتخفيض أسعار النفط والكهرباء ومحاربة الفاسدين، وما إلى ذلك مما سمع به المواطن من شعارات دون أن يرى أي تطبيق لها على أرض الواقع”.
وبين أن “المال السياسي يلعب دورا” في دائرته، مؤكدا “استقبال خيام المرشحين، لناخبين يسعون إلى بيع أصواتهم، مقابل وجود مرشحين يقومون بشراء الأصوات”.
ويؤكد عديدون أن “استعمال المال السياسي في الانتخابات الحالية أو الماضية، هو بمثابة شراء للذمم، واستملاك للكرامة، وعبث بحقوق الناس الحالمين بمجلس نواب قوي، قائم على الشفافية والنزاهة، يمثل تطلعاتهم المستقبلية بأردن أفضل”.
وكانت دائرة الإفتاء العام، حرمت شراء الأصوات في الانتخابات، وذلك في ظل سخونة المنافسة بين القوائم، من خلال فتوى نشرتها على موقعها الإلكتروني.
ونصت الفتوى على “يحرم على المرشح أن يدفع المال للناس مقابل انتخابه وحشد الأصوات لصالحه، سواء أكان نقداً، أم هدايا، ومن يفعل ذلك فكيف يؤتمن على مصالح وطنه ومقدراته”.
وتابعت أنه “من غير اللائق بالمواطن الأردني أن يتعامل مع قضية الانتخابات بهذا الأسلوب، ومن غير اللائق على النائب كذلك أن يحشد الأصوات لصالحه بهذه الطريقة، ومما يذمّ به المجتمع أن تكون المجالس النيابية قائمة على شراء الضمائر، وماذا يُتوقع ممن يرى المال كل شيء فيبيع صوته، أو يشتري صوت غيره؟ وماذا يُتوقع منه إذا صار صاحب قرار؟”.