عدنان برية تعاني نقابة الصحفيين نقصاً حاداً في “السيولة النقدية المتاحة”، وتراكماً في المديونية، دفع أعضاء في مجلسها الموقر إلى الحديث، خلال اجتماع عُقد أخيراً، عن “إفلاس حسابها الجاري” و”عجزها عن تسديد التزاماتها”. السيولة النقدية، التي يستطيع مجلس النقابة التصرف بها “حالياً”، مودعة في حسابين جاريين، وهما: 1- حساب بنك القاهرة عمان: وهو حساب مخصص لرواتب موظفي النقابة وضمانهم الاجتماعي، ورصيده حتى نهاية شهر 5/2020 يناهز 9,099 ديناراً (9 آلاف و99 ديناراً). 2- حساب البنك التجاري: وهو حساب مخصص لتمويل مختلف الصناديق والأنشطة والفعاليات، ورصيده حتى نهاية شهر 5/2020 يناهز 100,145 ديناراً (100 ألف و145 ديناراً). عملياً، رصيد حساب رواتب موظفي النقابة (الحساب الأول) يكفي لتسديد راتب أقل من شهرين، إذ تبلغ التكلفة الشهرية لرواتب الموظفين وضمانهم الاجتماعي حوالي 5,670 ديناراً/ شهرياً (5 آلاف و670 ديناراً). أما رصيد “الحساب الثاني”، فهو لا يفي بالالتزامات المترتبة فعلياً على النقابة، إذ تناهز مديونيتها لصندوقي “التعاون” و”التأمين الصحي” فقط نحو 450,442 ديناراً (450 ألفاً و442 ديناراً)، وهي “مديونية تراكمت في عهد المجلس الحالي”، هذا فضلاً عن أوجه الإنفاق التشغيلية والرأسمالية الأُخرى (مثل: المساعدات والوحدة القانونية والصيانة والرواتب والضيافة والمكافآت.. إلخ). واقع السيولة النقدية ينذر بقرب عجز النقابة عن الإيفاء بالتزاماتها المالية، بما في ذلك رواتب موظفيها، ويهدد بتعطّل مختلف الأنشطة والخدمات. المجلس، في اجتماعه، تدارس الخيارات المتاحة لإعادة الحسابات الجارية إلى مرحلة الأمان، وانقسم بين مقترحين، هما: المقترح الأول: تسييل الودائع: يقضي المقترح بـ”تسييل” إحدى “وديعتي القروض”، سواء لدى البنك التجاري أو صندوق توفير البريد، لتمويل العجز والأنشطة وتسديد جزء من مديونية الصناديق، ما يعني بالضرورة توقف إحدى المؤسستين (البنك أو البريد) عن منح الصحافيين القروض منخفضة الفائدة، التي أبرم اتفاقيتها المجلس الحالي في سنته الأولى. المقترح شهد جدالاً ورفضاً من النقيب وأعضاء في المجلس، إذ تعتبر القروض منخفضة الفائدة الإنجاز الأهم، إن لم يكن الأوحد، لمجلس النقابة الحالي، وبالتالي فإن المجلس سيظهر خالي الوفاض من منجز يُذكر، فضلاً عما قد يثيره هذا من غضب المدرجين على قائمة الانتظار (بالطبع حال تجاوزنا ما بها من عيوب في التخطيط والتنفيذ – سآتي عليها في مقال آخر-). المقترح الثاني: تسديد الصحافيين للرسوم والاشتراكات: يقضي المقترح بالضغط لتسديد الصحافيين الرسوم السنوية والمستحقات المالية المترتبة عليهم، واستخدام قيمتها في “تسيير” عمل النقابة. وأيضاً شهد هذا المقترح جدالاً، إذ يعاني الصحافيون ظروفاً معيشية استثنائية، نتيجة الحسومات الكبيرة التي خضعت لها أجورهم في القطاعين العام والخاص، وكذلك عدم تسلّم رواتب شهري 4 و5 الماضيين، ولا أمل باستلام جزء منها حتى الآن رغم مضي أكثر من نصف الشهر الثالث، فضلاً عن تعطّل نسبة ليست هيّنة عن العمل. في المحصلة، مجلس النقابة انحاز إلى المقترح الثاني، وقرر تمديد دفع الرسوم حتى نهاية حزيران الحالي، وأبلغ الصحافيين بقراره في رسالة اختتمها بعبارة “التمديد للمرة الأخيرة”، وهذا يعني بالضرورة انتقال غير المسددين إلى جدول غير الممارسين، وتغريمهم حال رغبوا بالعودة إلى الجدول، كما بعث برسالة للصحفيين لتسديد أقساط التأمين الصحي المترتبة عليهم. لكن، هل تفي رسوم العضوية ومساهمات الصحافيين في صندوق التعاون بالالتزامات المترتبة على النقابة؟ بالطبع لا، فعدد “غير المسددين” حين اتخذ القرار قارب 700 عضو (قابل للزيادة والنقصان بشكل محدود)، وبافتراض تسديدهم جميعاً ما يترتب عليهم (وهذا غير وارد)، فالمبلغ الإجمالي سيكون 57,750 ديناراً (57 ألفاً و750 ديناراً)، وبإضافة هذا المبلغ إلى رصيد الحساب الجاري في البنك التجاري (الحساب الثاني المذكور أعلاه)، يصبح الإجمالي 157,895 ديناراً فقط. هذا يعني بالضرورة أن مجلس النقابة سعى بقراره إلى تسكين الملف المالي، بتوفير بعض السيولة لتسديد مستحقات الصحافيين على صندوق التعاون (ممن رفعوا أصواتهم)، وتسيير أعمال النقابة المستعجلة والضرورية، فيما أرجأ تفاقم الملف لما بعد الانتخابات، إذ سيجد المجلس المقبل “حسابات خالية ومديونية متراكمة”. تتبع أداء مجلس النقابة، في إدارته للملف المالي، يُظهر أنه: 1- أخفق وقصّر في التعامل مع الملف المالي، وتسبب نهجه التكتيكي بتهديد الرصيد الاستراتيجي للنقابة، إذ سيضطر أي مجلس مقبل إلى “تسييل الودائع”، وهي وفر مالي تراكم عبر سنوات. 2- انتهك الاستقلالية المالية لصندوقي التعاون والتأمين الصحي، بعدم تسديد مساهمات النقابة لهما، وهو بذلك أولاً هدد استمرار خدماتهما، وثانياً خالف القانون والنظام، ورغم ذلك يسعى إلى التبرؤ من مسؤولية ما حل بهما. 3- عَجِز عن تحصيل أية قيمة تُذكر من نسبة الـ (1%) المتحصلة من نشر الإعلانات في المؤسسات الصحافية (الصحف والمواقع والإذاعات والتلفزيونات)، سواء المتراكمة من سنوات أو الجديدة، التي تتجاوز قيمتها والغرامات المترتبة عليها عدة ملايين من الدنانير، وتحصيلها يجنب النقابة السحب من الرصيد الاستراتيجي. 4- جملة القرارات المتخذة لا تعكس تصورات شاملة لمعالجة الملف المالي، ولا تشي أيضاً بأية قدرة على الحفاظ على موجودات النقابة، التي تتآكل عملياً بحكم المديونية المتراكمة للصناديق، وكذلك بحكم تراجع القوة الشرائية وغيرها من العوامل. أموال النقابة وصناديقها وموجوداتها مال عام، لا يجوز التهاون فيه، أو العبث في إدارته، وتكتيكات التسكين ستكون ذات أثر كارثي في القريب العاجل.