عزا نقابيون وقانونيون، ضعف تمثيل النساء في المجالس النقابية، الى أن الأدوار الاجتماعية المتوقعة للمرأة، تخلق تصورا بأنها لا تتلاءم مع ظروف العمل النقابي ومهامه التي تتطلب انخراطا يوميا بقضاياه وبأي وقت كان.
وأضافوا إن الطرق التقليدية التي تدار بها العملية الانتخابية والتي ترتكز أساسا على شبكة العلاقات الاجتماعية النقابية الواسعة، والقدرة المادية في تمويل الحملات الانتخابية، والاشتباك اليومي بالقضايا النقابية والنشاطات الاجتماعية، تعتبر من التحديات التي تضعف هذه المشاركة، ما يجعل فرص وصول النساء للمناصب القيادية النقابية بالتنافس ضعيفا وصعبا.
ولفتوا إلى أن القانون لم يميز بين الرجل والمرأة لخوض غمار الانتخابات النقابية، ولكنه لم يحقق للمرأة المساواة الفعلية، مشددين على ضرورة اتخاذ تدابير إيجابية تشجع النساء وتحفزهنّ للمشاركة في السباق الانتخابي، لأهمية وجودهنّ في مواقع صنع القرار، فضلا عن أن وجودهنّ يضيف تنوّعا في وجهات النظر عند صياغة القوانين والأنظمة الداخلية، لجهة أن تكون حساسة للنوع الاجتماعي.
وتأتي الدعوات في ظل مؤشرات بدت متواضعة لترشح النساء لعضوية مجلس نقابة المحامين في دورته الـ44، حيث أظهرت القوائم النهائية للمترشحين، ترشح أربع محاميات فقط من أصل 50 مترشحا لعضوية المجلس وبنسبة بلغت 8 بالمئة، في الوقت الذي خلت فيه قائمة المرشحين لمنصب الرئيس من أي مترشحة.
وتفتح هذه النسب المتدنية، بحسب المتحدثين، الباب على قضية ضعف التمثيل النسائي في المجالس النقابية المهنية بشكل عام، وخصوصا وأن خمسة من هذه المجالس على عتبة استحقاق انتخابي لهيئاتها العامة.
وتُظهر بيانات نقابة المحامين، أن عدد أعضاء الهيئة العامة المزاولة حتى نهاية أيار للعام الحالي بلغ 13711 محاميا، منهم 3738 محامية بنسبة 27 بالمئة؛ ما يعني أن المترشحات لعضوية المجلس لا تعكس نسبة المحاميات من مجموع الهيئة العامة للنقابة.
ويجمع المتحدثون على أن هذا النموذج، ينسحب على مجمل المشهد الانتخابي لمجالس النقابات المهنية، ما يطرح العديد من الأسئلة بشأن الأسباب الكامنة وراء ضعف الإقبال النسائي أو الإحجام عن الانخراط بالشأن النقابي العام من بوابة الترشّح للمناصب القيادية في مجالسها.
المحامية والناشطة الحقوقية نور الإمام، والتي فازت بعضوية مجلس نقابتها لدورتين متتاليتين، أشارت إلى أنه منذ تأسيس نقابة المحامين عام 1950، لم يفز بعضوية المجلس سوى ثلاث محاميات،مضيفة “إن أول محامية استطاعت الفوز بعضوية مجلس النقابة كانت الناشطة الحقوقية إميلي بشارات، التي تم انتخابها في ثلاث دورات بنهاية الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، تلتها المحامية سميرة زيتون التي انتخبت لدورتين، علما أنه لم يسبق أن ترشحت أي محامية لمركز نقيب المحامين”.
وعزت عضو مجلس النقابة السابقة المحامية سميرة زيتون، ضعف أو إحجام النقابيات عن الانخراط بالشأن النقابي والترشّح، إلى جملة من الأسباب، أهمها: أن الأدوار الاجتماعية المتوقعة للنساء في المجتمع، قد يرى البعض، أنها لا تتلاءم مع ظروف العمل النقابي، الذي يحتاج لبناء شبكة علاقات واسعة مع أعضاء الهيئة العامة والانخراط بقضاياها، فضلا عن ما يتطلبه ذلك من تخصيص الوقت الكافي للاجتماعات النقابية التي تعقد في أوقات متأخرة عادة.
وتتفق عضو الهيئة الإدارية للنقابة العامة للعاملين في الخدمات الصحية والصناعات الدوائية الدكتورة رندة الخالدي مع ما ذهبت إليه زيتون، مضيفة “ان من الأسباب أيضا، وجود تصور مجتمعي يستهجن مشاركة المرأة وانخراطها بالشأن العام”.
أمّا المديرة التنفيذية لمنظمة “ميزان للقانون” المحامية إيفا أبو حلاوة، فترى أن غياب الطموح والشغف عند بعض النقابيات لخوض غمار تجربة الترشح للانتخابات النقابية هو نتيجة لغياب النموذج للمرأة النقابية، فضلا عن عدم تسليط الضوء عليه -إن وجد – بشكل كافٍ من الإعلام، لافتة الى أول محامية فازت بعضوية مجلس نقابة المحامين إميلي بشارات، والتي تعتبر نموذجا أردنيا يُحتذى به في العمل النقابي الأردني، ولكن للأسف لم يتم تسليط الضوء عليه بالشكل الكافي إعلاميا”.
في حين يرى المحامي والدكتور المتخصص في القانون المشارك بجامعة الإسراء أيمن هلسة، أن التمييز الذي تعرضت له النساء على مدى طويل، والطرق التقليدية التي تُدار بها العملية الانتخابية، يجعل من فرص خوضها لغمار الترشّح للانتخابات النقابية والفوز بالمناصب القيادية ضعيفة وصعبة.
إلى ذلك، يشير رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين الأردنيين الزميل يحيى شقير، إلى أن تاريخ المجالس النقابية من عمر الدولة الأردنية كانت في غالبيتها العظمى مقتصرة على الرجال دون النساء، وفي تاريخ رئاسة المجالس النقابية لم تفز امرأة برئاسة أي مجلس نقابي، باستثناء نقابة الممرضين والممرضات الأردنيات والقابلات القانونيات؛ بحكم أن 70 بالمئة من أعضاء الهيئة العامة هنّ من النساء.
ويرى شقير، أن هناك مشكلة بنيوية تجاه تمكين المرأة ودعم قضاياها في الأردن، مشيرا إلى غياب البيئة الصديقة لدعم المرأة للوصول إلى المناصب القيادية.
ودعت كل من زيتون وأبو حلاوة والخالدي، النساء النقابيات إلى تطوير قدراتهنّ والانخراط بالقضايا النقابية، فالنساء النقابيات، بحكم تخصصاتهن المهنيةّ، قويات وقادرات على خوض غمار التجربة الانتخابية، إن هنّ أردنّ ذلك.
وأوضحنّ، أن وجود النساء كعضوات ورئيسات في المجالس النقابية سيسهم بتجويد القوانين والأنظمة للنقابات لكي تكون حساسة لمتطلبات النوع الاجتماعي؛ خاصة وأن جُلّ هذه القوانين والأنظمة وضعت على يد الرجال،مؤكدات أن خوض غمار منافسة الترشح من قبل النساء للانتخابات النقابية تأتي من باب المشاركة إلى جانب الرجل في تطوير العمل النقابي، وليس المزاحمة.
بترا