هذا هو محمد القرالة
باسل الرفايعة
هذا هو محمد القرالة الذي ذهبَ إلى أطفال البُربيطة، مُصّوِّراً صحافياً، برفقة زميله الفنان التشكيلي حسين دعسة. لم تكن الصورةُ تحتاجُ إلا لضوءٍ قليلٍ، لنفتحَ عيوننا على ألفِ بُربيطة. دائماً توسَّلت البلادُ قليلاً من الحُبِّ، ولِحافاً دافئاً، وحليباً ساخناً في الصباح .
يعودُ محمد القرالة إلى البُربيطة، يفزعُ لها ثانيةً. لن يذهبَ مصوِّراً في ‘جولة تفقدية’ مع رئيس الوزراء، ووزير التربية، والتنمية الاجتماعية، ولا الصحة، والتعاون الدوليّ. لا تسألوني ما علاقة البطانيّات، والحقائب المدرسية، وكسوة الشتاء بالتعاون الدوليّ. لا تفاصيلَ واضحةً عندي، ولا عندَ ديوان المحاسبة.
يُريدُ محمد أن يُعالجَ الصورةَ التي التقطها، دونَ خديعة. كانّ بإمكانهِ أنْ يُزوّرها بـ’الفوتوشوب’. يُخفي أصابعَ القدمين. ويمسحُ آثارَ الحزن والجوع والبرد. يعودُ محمدُ القرويُّ إلى البربيطة ، فهي تُشبه قُراه في الكرك والمفرق وجرش ومعان والبلقاء. يضعُ الكاميرا بعيداً عن الهدف؛ فلا وقت للصورة. فقد جَمَعَ مساعداتٍ وتبرّعاتٍ وفزعاتٍ من عمّان وأخواتها، وأصبحَ هذا الشاب الأردنيُّ حكومة ‘إنقاذٍ وطنيِّ’ لقريةٍ، لا يزالُ سكانها في بيوت الشعر، وأقصى أحلامهم طعامٌ وتدفئةٌ ومعاطفُ صوف.
يجمعُ محمد القرالة ما يستطيعُ لنجدة البربيطة. ويذهبُ إليها. ‘أوعزَ’ له حبُّه لهذه البلاد. أما وزيرُ الترببة والتعليم، فقد ‘أوعز’ إلى مدير تربية الطفيلة بـ’حلّ الأزمة’. يتفهّم محمد انشغالات المسؤولين في عمّان. طبقةُ رجالات الدولة منشغلةٌ بتشجيع الاستثمار. مناصبُ السفراء والملحقين يجب أنْ توزّع بعدالةٍ بين أبناء وبنات الطبقة نفسها. ثمة مَنْ يطالبُ بمناقلاتٍ في وزارة الخارجية، فالولدُ منذ سنواتٍ يخدمُ في السفارات الأردنية في الدول العربية، فيما غيره مقيمون في لندن وواشنطن وباريس. إنه يطالبُ بالعدالة، ليس أكثر.
نحتاجُ إلى كثيرين، مثل محمد القرالة، يفزعون لبلادنا. ولا يتذاكى علينا أحدٌ بخطط التنمية، وبرامج محاربة الفقر، وامتصاص التبعات الاجتماعية للحلول الاقتصادية الصعبة، فقد رأينا كلّ ذلك فاضحاً في أحذية أطفال البُربيطة..