هيبة الدولة .. هيبة للوطن
فيصل تايه
‘من يعتقد أن بإمكانه أن يمس بهيبة جامعاتنا ومدارسنا وهيبة الدولة بدون حساب ، فهو مخطئ ‘ .. كانت هذه العبارات التي جاءت على لسان دولة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز خلال جلسة مجلس الوزراء في معرض تعقيبه على حادثتي جامعة آل البيت ومدرسة الفيصليه.
ذلك ما يسوقني للحديث عن التحولات الكبيرة التي تطرأ باستمرار على انظمة مؤسسات الدولة الحكومية المختلفة ، والذي يتم من خلالها وضع القوانين التي تنظم العلاقة مع المواطنين وتضمن لهم حقوقهم وتلزمهم بالواجبات ، حيث اثبتت ان الاطار الرمزي المتمثل بمفهوم (الهيبة) بوصفه سلطة متخيلة، لايقل قيمة من حيث التأثير والنفوذ والاعتبار عن قيمة سلطة الدولة الحقيقية بأدواتها المادية من افراد ومعدات وتجهيزات وبناها التحتية .
فنحن لن نقبل باي حال من الاحوال ان تتحول نظره اي كان الى هيبه الدولة الى استخفاف واستصغار وفقدان ثقة ، فالمؤسسات بملاكاتها ووادواتها وبناها هي جزة من الدولة ، ونعتقد ان ما يحصل من تطاولات وتجاوزات تكشف عن خلل بنيوي خطير في ماهية الشخصية ، سواء أكانت للمواطن العادي أم للمؤسسات بحد ذاتها ، حيث تشكلت ثقافة المواطن عبر مراحل زمنية طويلة على تبجيل هيبة الدولة الى درجة التقديس ورسوخها كنسق ثقافي وبالمقابل ، فان ابناء الدوله مهما كان موقعهم الوظيفي ، بوصفهم عنصرا من منظومة السلطة ، تشكلت شخصيتهم على ثقافة حفظ تلك الهيبة ، وعبر مراحل زمنية طويلة ايضا لذلك ، فان أي خلل في هذه المعادلة سيؤدي الى اشكالية كتلك التي حدثت تؤدي الى تضعضع وتراخ في جانب اجهزة الدولة ، واستهانة واستخفاف في جانب البعض ، حيث يبدو ان حل هذه الاشكالية ليس سهلا على الاطلاق ، كونها علة بنيوية نسقية مستفحلة ، تحتاج الى اعادة بناء جذري طويل المدى ، قائم على ثقافة القوننة ، واستيعاب مفاهيم الحقوق والواجبات ، واعتماد الاعتبار المتبادل بين المواطن وعناصر الدولة ، وتنمية حس المسؤولية العمومية والشراكة الحقيقية في تسيير دفة الحياة ، والارتقاء بها الى مستويات تنسجم والقيمة الوجودية الحقيقية للكائن البشري.
نحن في الاردن تعودنا على ايجاد قنوات اتصال بين الاجهزة الحكومة ومختلف اطياف المجتمع الاردني وقطاعاته على قاعدة الاحترام وتحديد الحقوق والواجبات وليس على حساب مصلحة الوطن بعيدا عن الاسترضاء ، ويهمنا اولا وآخرا هيبة القانون والدولة ، ولا يمكن الاستخفاف بأي منها، مهما كانت بسيطة، فكما قلنا، ان هيبة الدولة تراكمية، ولا يمكن فصل عناصرها عن بعضها .
ان الأردنيين من مختلف اطيافهم يهمهم ان يشعروا بهيبة دولتهم ، لأنهم يعتقدون أن الذي يشتِم ، والذي يجاهر بالاعتداء على هيبة الدولة ، باللسان والقلم أو بالتصرُّف ، ويعتقد ان له الصدارة ، وله المكتسبات فهو منحرف عن المسار الوطني الصحيح في دولة المؤسسات والقانون ، فهيبة القانون وتطبيقه في اي مجتمع هو مقياس لمدى مدنية الدولة ، وتحضر اي مجتمع من المجتمعات حيث لاسلطة تمارس على أي فرد في المجتمع إلا على اسس ومنهجية ومحددات القانون .
فتطبيق القانون على الجميع دون استثناء هو الاساس لانتظام هيبة الدولة وقوتها ، واستقرارها وارتقائها في كل الميادين وتكون قدرتها على اصلاح اي خلل في المؤسسات وقدرة ضاربة لمحاربة الفساد الذي يتفشى ويكون وبائيا اذا افتقد القانون هيبته ما يصيب الدولة بالوهن والهزال لتتاح الفرصة لافاعي الفتن الخروج من جحورها ، فالقانون هو الواقي الحقيقي والجوهري لكيان الدولة ووجودها وانتظام عافيتها ..
ان غياب القانون او انحرافه يسمم حياة الناس ويمزق استقرارهم فتدخل في دائرة من الفوضى بلا حدود وتتشتت هيبة الدولة وتتشوه باورام التخلف عن العصر وتغيراته المذهلة في المعرفة والتحديث والعصرنة في عالم يموج بالاحداث العاصفة فالقانون ليس أيقونة أو زخرفة نضعها متى اردنا بل هو حاجة ومصير يمس كياننا وجودنا.
وأخيراً .. ومن وجهه نظري يجب دراسة الاسباب التي ادت الى ظهور هذا الوباء من خلال هاتين الحادثتين المنفصلتين والتي امتعظ منا الجميع رغم التزام الحكومة بالحريات وحرية التعبير عن الراي ضمن اطار القانون والمؤسسات ، فحرية الاشخاص مصانة بموجب الدستور وتنتهي عند التعدي على حرية الاخرين او النفع العام او على المؤسسات مع التشديد على ان هذا الامر غير مقبول اطلاقا من تجاوز على القانون والذي يعد امرا خطيرا ومسيئا لمجتمعنا وقيمنا وللجامعة والمدرسة ، ونشد على يد دولة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز في تأكيده على ان الحكومة لن تسمح بمثل هذه الاعتداءات في ظل دولة القانون ولا تساهل مع اي جهة او فرد مهما كان ان ينال من حرمة مؤسساتنا وسمعة بلدنا.
والله المستعان