بعد أكثر من ستة عقود قضاها في الصحافة..
وفاة عميد الصحفيين الكاتب علي سيار
مرتحلاً عن الورق الأبيض الذي لطالما عرفهُ، وعن ألوان الحبر التي لخطت أناملهُ.. فارقنا عميدُ الصحفيين البحرينيين، الصحفي والكاتب علي سيار، « صباح اليوم الثلاثاء الموافق لـ8/اكتوبر/ 2019» عن عمرٍ ناهز الـ «91»، بعد أن قضى جدوى حياتهِ محرراً وصحفياً ورئيس تحرير وكاتب في عددٍ من الصحف والمجلات المحلية والخليجية، ومشتغلاً بهم وطنه وأمته العربية.
رحل سيار، ابنُ المحرق الذي ولد في العام«1928»، بعد حياةٍ مليئةٍ بالمحطات، والترحال، والمعارك التي كان يخوضها في سبيل الرقي الحضاري، والإصلاح السياسي والثقافي والاجتماعي، منذُ بدأ حياتهُ الصحفية في خمسينيات القرن الماضي. فـ «سيار».. سيرةٌ ملؤها عطاء، وإصرار، وتحدٍ، فمن مسقطِ رأسه، كانت الإنطلاقة، حيثُ تعلم القرآن، في الكتاتيب، ليلتحق بعد ذلك بـ «مدرسة الإصلاح الأهلية»، ومن ثم «مدرسة الصناعة»، وكان آنذاك فتىً متفوقاً، وقع عليه الاختيار ليكون من بين تسعة طلاب، ابتعثوا للدراسة في «مدرسة بولاق الصناعية»، بالقاهرة، في أربعينيات القرن الماضي.
بعد ذلك عاد عميد الصحافة، ليحط ركابهُ في البحرين، وعلى غير ما ابتعث لأجله، عاد متأثراً بأجواء الفكر والأدب والثقافة والصحافة التي كانت تشيعُ في مصر، فكان سعيهُ الحثيث ليمارس عطاءهُ، محركاً قلمهُ على صفحات الصحف أو المجلات البحرينية، إلا أنهُ، آن عودتهِ، لم يكن في البحرين أية صحف، إذ توقفت «جريدة البحرين»، عام (1944)، لكنهُ كان جاهزاً ليُعمل يراعهُ مع أنطلاق مجلة «صوت البحرين»، إذ شارك فيها مع انطلاقة عددها الأول.
ومنذُ ذلك الحين، وحتى آواخر حياتهُ مارس اشتغالهُ الصحفي، إذ أسس، ورأس تحرير العديد من الصحف المحلية، كالصحيفة الأسبوعية «القافلة»، التي أسسها مع كلٍ من أحمد يتيم، ومحمود المردي، ويوسف الشيراوي، وناصر بوحميد، ومارس اشتغالهُ فيها بين عامي (1952-1954)، بالإضافة لصحيفة ««الوطن» التي رأس تحريرها بين عامي (1955-1956)، والتي جاءت كتحدٍ للسلطات البريطانية، عندما عمدت لإيقاف صدور (القافلة)، بسبب صراعها مع المستعمر، ودعوتها لاستقلال البحرين.
كما كتب الراحل، خلال ارتحالاته بدءاً بمنفاهُ الاختياري، الكويت، في الصحف والمجلات هناك، إذ كتب في «أضواء المدينة»، و»صوت الخليج»، و»الطليعة». بعد ذلك توجه إلى أبوظبي، منتقلاً منها إلى دبي، ومن ثم قطر، فالبنان، وأخيراً سوريا، ليعود بعدها إلى البحرين، ويطلقُ «صدى الأسبوع»، ممارساً اشتغالهُ فيها منذُ العام (1969) وحتى (1999). وبعدها استمر كاتباً حتى آواخر حياته في صحيفة «أخبار الخليج».
وقد انشغل سيار على مدى مسيرته الصحفية، بالهموم المجتمعية، المحلية والعربية، وقضايا المرأة، والسياسة والثقافة والفكر والأدب، فكتب في مختلف الموضوعات، وجاءت عناوين مقالتهُ ضاجةً بهذه الهموم، كـ «المرأة في البحرين»، «من هو الفوضوي؟»، «مصر بين عهدين»، «الوطن والرقابة»، «تنابلة التلفزيون»، «الإنسان قبل الآلة.. قبل الأرض»، «الديمقراطية ليست نقيضاً للدولة»، «التأهيل التربوي»، «المطلوب من السلطة والمواطن»، «موشي دايان.. يهودي أحببته»، «من أوراق المسرح البحريني»، «النظام الدولي الجديد.. عالم من العبيد يحكمه سيد واحد»، «البحرنة.. البحرنة.. البحرنة»، «صحافة لا يكتبها الإعلام الرسمي»، وغير ذلك من العناوين المثيرة والكثيرة التي وثقها الراحل خالد البسام، ضمن سلسلة «رواد الصحافة البحرينية»، الصادر عن «هيئة شؤون الإعلام»، تحت عنوان «علي سيار.. عمر من الكتابة».
ولم تقتصر إسهامات «سيار» في الميدان الصحفي، إذ شارك في صياغة دستور البحرين في العام «1973»، لكونهِ عضواً في المجلس التأسيسي الذي تولى صياغة أول دستور للبحرين آنذاك، كما نال سيار خلال حياته عدد من الجوائز والتكريميات على مستوى البحرين والخليج العربي، إذ تم كريم من قبل «اللجنة الأهلية لتكريم رواد الفكر والإبداع بمملكة البحرين»، في العام «2005»، كما كرم من قبل «محافظة المحرق»، و»مسرح الجزيرة»، وحاز على «جائزة الرواد»، من «مؤسسة تريم عمران الثقافية والإنسانية».
وكان الراحل قد كتب مذكرات حياتهُ في خسمينيات القرن الماضي، مسجلاً بكل دقة تفاصيل يومياتهِ، كما نقلِ عنهُ الدكتور منصور سرحان، إلا أنهُ «وعندما أكمل كتابة مذكراته كان حينها يكتب في جريدة «الوطن»، والتي كانت تهاجم السلطة الاستعمارية البريطانية الأمر الذي أدى إلى غضب تلك السلطة عليه وعلى الجريدة نفسها، وقد أدى ذلك إلى مصادرة جميع ملفاته بما في ذلك السجل الذي كان يدون فيه مذكراته اليومية وإلى توقيف جريدة «الوطن»، وكان ذلك في عام «1956»».
وبرحيل سيار تفقد البحرين رجلاً من رواد صحافتها، وسجلٍ حياً، أسهم في تشكيل مراحل تطورها، منذُ انطلاقته في خمسينيات القرن الماضي، مدروناً وكاتباً عن تلك الأزمنة التي امتازت بأهميتها على الصعيد السياسي والمجتمعي. وبهذا الرحيل، نفقد سجلاً لم يتسنى لهُ تدوين ذاكرتهُ التي كان يمتازُ بها، والتي سجلت مختلف المراحل منذُ ذلك الحين، وحتى وقت قريب.